mardi 12 janvier 2021

الصحراء المغربية: الصورة الكاملة

 



نضع الطرف الأول من الجملة كالتالي، الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، ثم بعدها نقول: مقابل استئنافه للعلاقات الدبلوماسية المعلقة منذ 23 أكتوبر 2000، حينما أغلق المغرب مكتب الاتصال في الرباط ونفس الأمر في تل أبيب احتجاجا على القمع الذي تعرضت له الانتفاضة الفلسطينية الثانية. إذن دعونا نحلل المسألة بكل تعقل لأن التناول المتشنج والعاطفي رافق الحدث. لذلك فالمغرب تعامل مع هذه القضية بمنطق رابح رابح، وهو أول درس لمن يريد الخوض في السياسة. ثم إن العلاقات كانت قائمة بالفعل بين المغرب وإسرائيل كما هو الأمر بين إسرائيل وكل الدول العربية الأخرى وبالدرجة الأولى تلك التي تدفع بالمشروع الإخواني الفاشل، ونقصد تركيا وقطر، الدولة الوحيدة التي تعلن العداء لإسرائيل هي إيران، واللافت أنه رغم العداء الظاهري إلا أن هناك تعاونا استخباراتيا وتعاونا في بعض القضايا أحيانا. هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمغرب مادام يتصرف بمنطق المصلحة التي تميز القرار السياسي للدول وليس بمنطق العاطفة، إذن فلا أحد له الحق في لوم المملكة على قراراتها، ثم إن الشعب المغربي قد قبل الأمر ولم يعترض على ذلك، حتى القيادات الإخوانية التي كانت تشحذ الشارع بقضية فلسطين التزمت الصمت بل بدأت في تحضير المراسيم والإجراءات القانونية التي ستواكب هذا القرار السيادي ما داموا في موقع المسؤولية في الحكومة وفي البرلمان، اليسار  غير موجود ومشتت ومبعثر، خرجت مجموعة منهم للاحتجاج فتم تفريقهم في أقل من عشرة دقائق، العدل والإحسان صاحب الطوباوية الخمينية في المغرب اكتفت بإصدار بلاغ يتيم، أما الجمعيات ذات الخلفية اليسارية فبدورها أصدرت بضعة بيانات  لا ترقى إلى حجم وقوة الحدث التاريخي.  لكن هذه الأحداث الجزئية لما رافق هذا القرار، ومجرد الاكتفاء بتتبع الأخبار والتعليقات الصحفية المتناثرة لا يعطي الصورة الكاملة لما يحدث.

المغرب والاتجاه العام للتاريخ:

إسرائيل استطاعت أن تفرض نفسها بعد 72 سنة من الوجود على جميع الأصعدة والمستويات وكل دول العالم تعترف بها، ولها معها علاقات ديبلوماسية عادية، العرب في وقت ما من تاريخهم جعلوا القضية الفلسطينية قضيتهم، باسم العروبة تارة وباسم الإسلام تارة أخرى، فتجندوا لاقتلاعهما ورميها في البحر، كذا !  لكن مع الوقت فرضت هذه الدولة الفتية نفسها وهزمت العرب في 1967 هزيمة نكراء ساهمت في تشتتهم أكثر  كما انهزموا سنة 1973 كذلك وقدموا تنازلات ودفعتهم إسرائيل للتفاوض، لذلك لم ينجح هؤلاء القوميون المتعصبون في اقتلاع إسرائيل كما كانوا يحلمون، لقد انتهت الأيديولوجية العروبية الاشتراكية التي كانوا يتقاتلون من أجلها، والصراع كله كان مؤطرا بهذا الجو العام، أما محاربة إسرائيل باسم الدين فهو كذلك مصيبة أخرى تنضاف للإيديولوجية القومجية التي باءت بالفشل رغم أن الأيديولوجية الإسلاموية بشقيه السلفي والإخواني لم يكن لها نفس قوة الإيديولوجيا العروبية الاشتراكية. المغرب أنذاك في ذلك  الجو كان يغرد خارج سرب هذه الإيديولوجيات الطوباوية باختياره الحوار مع إسرائيل خاصة بفتحه لعلاقات مع إسرائيل واستدعائه لشيمون بيريز 1985 لزيارة المغرب، لكن ذلك القرار لم يعجب العساكر القومجيين فتوحدوا للقضاء عليه لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، إذن المغرب ليس في موقف إحراج من إرجاع علاقته مع دولة ديموقراطية هي إسرائيل مادام لم يكن يمني النفس في رمي إسرائيل في البحر، ولا بتأسيس جمهورية قومية عروبية اشتراكية في المغرب، الحسن الثاني كانت له رؤية سواء للمغرب أو للعالم العربي، وهو نفس الأمر للملك الحالي محمد السادس، إذن الحركة العامة للتاريخ كلها تذهب في اتجاه المشروع الغربي بقيادة أمريكا التي انتصرت بالفعل وتم القضاء على الإرهاب السوفياتي بسقوط جدار برلين، لكن بعض بقايا اليسار الستاليني لم تفهم ما حدث، الجزائر مثلا اليوم مازالت أحقاد الحرب الباردة تضرب بغشاوتها على عيون الجنرالات الذين يحكمونها، لهذا عدائهم وحقدهم على المغرب، ودعمهم لجماعة انفصالية تحمل نفس الطوباوية بإقامة دويلة عروبية اشتراكية على أرض أمازيغية.

الأهم كذلك في مسألة اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه هو أن القرار أخذ الوقت الكافي لينضج، وبالتالي تهاوي الإيديولوجية الانفصالية وتهافتها. وليس قرارا متسرعا اتخذ على عجل كما هو الأمر مع الكثير من القرارات التي كانت متهورة وغير ناضجة وهي الاستراتيجية التي تشتغل بها الدبلوماسية المغربية منذ أمد بعيد، فحتى استرجاع الأراضي الصحراوية أخذ وقتا وتم استفتاء الأمم المتحدة حول المسألة ولما أثبتت أنه كانت هناك روابط بيعة بين الصحراء و"الإمبراطورية الشريفة" عبر التاريخ، سارع الملك الحسن الثاني لتنظيم المسيرة الخضراء التي تخلصت من الاستعمار الاسباني لتلك الأراضي وبالتالي بداية الاعمار الحقيقي لهذه الجغرافيا.

في أصول نزاع الصحراء:

هذا النزاع المفتعل مازال قائما وشد الحبل هو بين المغرب من جهة والجزائر من جهة ثانية، فالمغرب بحكم الجغرافيا تعتبر الصحراء الأطلسية امتدادا طبيعيا له. عكس مثلا الأراضي الشائعة في الجارة الشرقية، التي كانت فرنسا وبحكم إيمانها بأنها صنعت دولة فرنسية في افريقيا، اقتطعت آلاف الهكتارات من المغرب غربا وتونس شرقيا ومالي جنوبا. أراضي شاسعة جدا. وقد فقد المغرب مثلا الكثير من أراضيه لأنه ناصر في البداية مقاومة المستعمر الفرنسي ورحب بالمجاهدين الجزائريين وعلى رأسهم الأمير عبد القادر، الذي لولا إصرار المغرب على مناصرته والترحيب به نصرة القضايا " المسلمين" ضد "الاستعمار الغاشم" لما تجرأت فرنسا على التحرش بالمغرب واقتطاف أجزاء واسعة من أراضيه في معاهدة لالا مغنية ثم استعماره فيما بعد وفتح شهية المستعمرين الآخرين لاحتلاله هي نتيجة القرار المغربي لمناصرة إخوته. ومن تلك الأراضي الصحراء الشرقية التي ترامت عليها فرنسا. ولما خرجت فرنسا من الجزائر وتغنت جبهة التحرير بانتصارها على الاستعمار لم تقم بالرجوع إلى حدودها الأصلية الموجودة قبل الاستعمار، لأنها في الظاهر تسب ملة الاستعمار وفي نفس الوقت ترفل في غِلته. هذا إن سلمنا جدلا بوجود دولة تسمى الجزائر قبل دخول فرنسا. لأنه والتاريخ هو من يؤكد ذلك لم تكن هناك دولة بهذا الاسم الاستعمار الفرنسي، لم يحتل الجزائر بل احتل أراضي الإمبراطورية العثمانية التي نصبت باياتها في الجزائر وتونس وليبيا. ولم تستطع تجاوز حدود الإمبراطورية المغربية. وهذه من الأزمات التاريخية المزمنة التي يعاني منها جنرالات جبهة التحرير الذين فقدوا كل المبررات لوجودهم في السلطة. لذلك بمنطق هؤلاء الذين يعتبرون قضية الصحراء المغربية "تصفية استعمار". لابد من إرجاع الأراضي التي اقتطفت من تونس ومالي والمغرب إلى أصحابها أولا قبل أن تتشدق بأسطوانة تصفية الاستعمار. وأن يتم إعادة رسم الخرائط من جديد. هذا من جهة ومن أخرى ومن خلال تحليل نفسي للاشعور السياسي لجنرالات الجزائر نجد هذه الأزمات النفسية تستوطن حيزا ضخما من لا وعيهم. وهو الأمر الذي يفسر سعارهم الشديد تجاه المغرب. وحول التاريخ دائما فإن الجزائر جنرالات وشعبا تحس بنوع من الحنين الرومانسي للملكية. بل إن هناك من يعتبر أن ملك المغرب يحكم رمزيا كلا البلدين ولا أدل على ذلك أن الكثير من السلالات الملكية التي حكمت المغرب. كان المغرب الأوسط وهو الاسم التاريخي للجزائر. تحت قيادتها مثل الأدارسة والمرابطين والموحدين. وكانت تلمسان مثلا مدينة تحت نفوذ الإمبراطورية المغربية.

إذن هذا القرار ليس إلا خطوة صغيرة من النظرة التي تسير بها الدولة المغربية نحو مستقبلها، ومستقبل المنطقة ومستقبل العالم. وذلك كله راجع بالأساس إلى عوامل أهمها موت الإيديولوجيا التي قامت عليها الدولة الجزائرية الحديثة، ثم انتصار منطق المصالح الاقتصادية والتكتلات الإقليمية على منطق الحروب والصراعات والتفرقة التي هي ديدن المتسلطين على رقاب الجزائر، وأخيرا التاريخ يقول كلمته ولا ينتصر إلا المنطق السليم والواقعي، أما السعار والغضب والأحقاد فتذهب جفاء.

vendredi 8 janvier 2021

ماذا بعد اقتحام مقر الكونغرس الأمريكي ؟

 


ما وقع يوم 7 يناير 2021 ليس بالأمر غير المتوقع. منذ أن صعد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، كان الأمر بمثابة كابوس للأوساط الأمريكية المتشبعة بالقيم الأمريكية. وقد تابعت سنة 2017 باهتمام بالغ خطاب الوداع الذي ألقاه باراك أوباما في شيكاغو، وكان منصبا بالأساس على مستقبل الديموقراطية في أمريكا. وهو الرئيس المثقف والذي يعرف جيدا معنى السياسة، وذلك راجع إلى امتلاكه للحس التاريخي. " المعتوه" ترامب، لا يملك تلك الخصائص، يقدم نفسه على أنه رجل ناجح وثري وذكي، لكن الحقيقة أنه على النقيض من كل ذلك، فمن عالم العقارات والتلفزيون، إلى دفة قيادة العالم. لقد كان المشهد سرياليا بكل معنى الكلمة، وهو يشبه صعود الفاشية في أوروبا خلال بداية القرن الماضي، من كان يتبع ما حصل في ألمانيا لما صعد هتلر عبر الصناديق، سيدرك الشبه الكبير بين الحدثين، الخصائص الشخصية للرجل البرتقالي تشبه تماما خصائص الفاشيين الذين أشعلوا الحرب العظمى. هتلر وصل إلى السلطة عبر الصناديق، نفس الأمر مع ترامب. وهذه الظاهرة مثيرة للاهتمام لأنها من أشد عيوب الديموقراطية، كنظام للحكم. حيث أن الديموقراطية تعطي الفرصة للمعتوهين والحمقى والمتطرفين ليقرروا في مصير الأذكياء. الجمهور الأمريكي أعجب بالشو   SHOWالذي كان يصنعه ترمب منذ الثمانينات. ولما حان دوره غاب العقل عن الجماهير فصوتوا لصالحه. ثم إن نظام المجمع الانتخابي، أسقط كل الأصوات التي منحت الأغلبية الديموقراطية لهيلاري كلنتون، وتم ضربت في صميم الديموقراطية انتخاب شخص غير مسؤول. فكان الضرر عظيما جدا على أمريكا نظاما وقيما ومجتمعا وبالأخص رمزا للحرية وسيادة القانون. ورغم فشل ترمب في كل المهمات التي وضع يده عليها لكن نجاحه الأبرز هو ضرب الديموقراطية في صميمها، وتقسيم المجتمع الأمريكي. وزعزعة صورة أمريكا في العالم التي ساهمت كل الحكومات الجمهورية في تلطيخ صورتها. فكان الديموقراطيون ينتخبون لإصلاح ما أفسده الجمهوريين. أوباما جاء ليخرج أمريكا من أزمة مالية عالمية ويرتب خريطة التدخلات الخارجية لأمريكا حارسة الديموقراطية. نجح في المهمة وكان على قدر كبير من الكياسة والمسؤولية. رغم الأخطاء التي ارتكبها. لكن صاحب التسريحة البرتقالية والمواقف المثيرة للضحك والاشمئزاز. قام بضجة هائلة كطفل هائج. وكل تاريخه الشخصي المليء بالفضائح والعنف. كان من بين الأسباب النفسية والسلوكية التي كانت توجه نظرته لنفسه وللعالم. وللنظر إلى ما أنجزه منذ أن أخذ دفة الحكم النتيجة صفر. انسحاب من العالم وترك الاعداء المتربصين يسجلون النقاط ويتمددون في الفراغ الاستراتيجي الذي تركه هذا الانسحاب، كأن هذا الشخص لم يقرأ ولو ورقة عن المفاهيم الاستراتيجية التي تحرك الدولة الأمريكية، نشر العنصرية وبث الكراهية عبر ربوع العالم وفي الداخل الأمريكي بالخصوص، التخلي عن المعاهدات الدولية، وعن الحلفاء الاستراتيجيين، محاولة صناعة شو سياسي من خلال القيام ببعض المبادرات كالتودد الوضيع لدكتاتور كوريا الشمالية الذي لا يخفي ترمب إعجابه به، إذلال أمريكا عبر التودد لبوتين. على مستوى تدبير أزمة كورونا كانت النتائج كارثية بكل معنى الكلمة. تصرفات بهلوانية في كل القمم التي حضرها. لكن الأتباع المتشددين لا يزدادون إلا هتافات باسم زعيمهم كأتباع متعطشين لمزيد من الحماقات. لكن الدراما التاريخية هي تلك التي حاول هذا الشخص جر أمريكا إليها وهي التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية، المماطلة المضحكة لإثبات عكس ما يقوله الواقع. وفي النهاية الفوضوية والعدمية وضرب الديموقراطية في الصميم. فكان العنوان هو إما تُلبوا طلبات الطفل الجامع أو أحرق أمريكا كما فعل نيرون لروما. هذا ما فعله هذا الشخص. هل أمريكيا مأزومة ؟ لماذا نجح واحد بهذه المواصفات؟ أهو مكر التاريخ ؟ في أوقات الأزمات يظهر مثل هؤلاء في مسرح التاريخ ليصبوا الزيت في النار ويشعلوا النيران ويبثوا الاضطراب والانقسام ؟ لأن التاريخ  كما يقول هيجل ؟ لا يتحول إلا في أوقات الحروب والأزمات؟ فمن يشعل تلك الحروب ويثيرها ؟ الحكماء ؟ بالطبع لا! القادة المحنكون! أبدا لا! من إذن؟ المجانين بجنون العظمة! المرضى والمضطربون سلوكيا ! هذا الرجل البرتقالي يمتلك كل تلك الخصائص. نعم لقد نجح بالفعل في بث الانقسام في الدولة والمجتمع. وفتح الجراح القديمة التي كادت تندمل. لقد قسم أمريكا ؟ وضرب صورة أمريكا في مقتل. هل تستعيد أمريكا عظمتها كما كان يدعي؟ شعاره يحمل حقيقته. فالقول بأن أمريكا ليست عظيمة ولابد أن تسترجع عظمتها، هو غباء سياسي.أمريكا قوية بالفعل بل من الأولى أن تبقى عظيمة. ولكن ما قام به هو جعل أمريكا مضطربة من جديد. لقد خلق أجواء الحرب الأهلية بكل تفاصيلها. هل يستطيع بايدن ترميم ما خربه العجوز الأحمق. لا أظن ذلك لأن الخسائر هائلة. لكن نتمنى أن تعود الأمور إلى عهدها لأننا نؤمن بأمريكا كَقيم. ولابد أن تستمر تلك القيم .

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...