vendredi 8 janvier 2021

ماذا بعد اقتحام مقر الكونغرس الأمريكي ؟

 


ما وقع يوم 7 يناير 2021 ليس بالأمر غير المتوقع. منذ أن صعد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، كان الأمر بمثابة كابوس للأوساط الأمريكية المتشبعة بالقيم الأمريكية. وقد تابعت سنة 2017 باهتمام بالغ خطاب الوداع الذي ألقاه باراك أوباما في شيكاغو، وكان منصبا بالأساس على مستقبل الديموقراطية في أمريكا. وهو الرئيس المثقف والذي يعرف جيدا معنى السياسة، وذلك راجع إلى امتلاكه للحس التاريخي. " المعتوه" ترامب، لا يملك تلك الخصائص، يقدم نفسه على أنه رجل ناجح وثري وذكي، لكن الحقيقة أنه على النقيض من كل ذلك، فمن عالم العقارات والتلفزيون، إلى دفة قيادة العالم. لقد كان المشهد سرياليا بكل معنى الكلمة، وهو يشبه صعود الفاشية في أوروبا خلال بداية القرن الماضي، من كان يتبع ما حصل في ألمانيا لما صعد هتلر عبر الصناديق، سيدرك الشبه الكبير بين الحدثين، الخصائص الشخصية للرجل البرتقالي تشبه تماما خصائص الفاشيين الذين أشعلوا الحرب العظمى. هتلر وصل إلى السلطة عبر الصناديق، نفس الأمر مع ترامب. وهذه الظاهرة مثيرة للاهتمام لأنها من أشد عيوب الديموقراطية، كنظام للحكم. حيث أن الديموقراطية تعطي الفرصة للمعتوهين والحمقى والمتطرفين ليقرروا في مصير الأذكياء. الجمهور الأمريكي أعجب بالشو   SHOWالذي كان يصنعه ترمب منذ الثمانينات. ولما حان دوره غاب العقل عن الجماهير فصوتوا لصالحه. ثم إن نظام المجمع الانتخابي، أسقط كل الأصوات التي منحت الأغلبية الديموقراطية لهيلاري كلنتون، وتم ضربت في صميم الديموقراطية انتخاب شخص غير مسؤول. فكان الضرر عظيما جدا على أمريكا نظاما وقيما ومجتمعا وبالأخص رمزا للحرية وسيادة القانون. ورغم فشل ترمب في كل المهمات التي وضع يده عليها لكن نجاحه الأبرز هو ضرب الديموقراطية في صميمها، وتقسيم المجتمع الأمريكي. وزعزعة صورة أمريكا في العالم التي ساهمت كل الحكومات الجمهورية في تلطيخ صورتها. فكان الديموقراطيون ينتخبون لإصلاح ما أفسده الجمهوريين. أوباما جاء ليخرج أمريكا من أزمة مالية عالمية ويرتب خريطة التدخلات الخارجية لأمريكا حارسة الديموقراطية. نجح في المهمة وكان على قدر كبير من الكياسة والمسؤولية. رغم الأخطاء التي ارتكبها. لكن صاحب التسريحة البرتقالية والمواقف المثيرة للضحك والاشمئزاز. قام بضجة هائلة كطفل هائج. وكل تاريخه الشخصي المليء بالفضائح والعنف. كان من بين الأسباب النفسية والسلوكية التي كانت توجه نظرته لنفسه وللعالم. وللنظر إلى ما أنجزه منذ أن أخذ دفة الحكم النتيجة صفر. انسحاب من العالم وترك الاعداء المتربصين يسجلون النقاط ويتمددون في الفراغ الاستراتيجي الذي تركه هذا الانسحاب، كأن هذا الشخص لم يقرأ ولو ورقة عن المفاهيم الاستراتيجية التي تحرك الدولة الأمريكية، نشر العنصرية وبث الكراهية عبر ربوع العالم وفي الداخل الأمريكي بالخصوص، التخلي عن المعاهدات الدولية، وعن الحلفاء الاستراتيجيين، محاولة صناعة شو سياسي من خلال القيام ببعض المبادرات كالتودد الوضيع لدكتاتور كوريا الشمالية الذي لا يخفي ترمب إعجابه به، إذلال أمريكا عبر التودد لبوتين. على مستوى تدبير أزمة كورونا كانت النتائج كارثية بكل معنى الكلمة. تصرفات بهلوانية في كل القمم التي حضرها. لكن الأتباع المتشددين لا يزدادون إلا هتافات باسم زعيمهم كأتباع متعطشين لمزيد من الحماقات. لكن الدراما التاريخية هي تلك التي حاول هذا الشخص جر أمريكا إليها وهي التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية، المماطلة المضحكة لإثبات عكس ما يقوله الواقع. وفي النهاية الفوضوية والعدمية وضرب الديموقراطية في الصميم. فكان العنوان هو إما تُلبوا طلبات الطفل الجامع أو أحرق أمريكا كما فعل نيرون لروما. هذا ما فعله هذا الشخص. هل أمريكيا مأزومة ؟ لماذا نجح واحد بهذه المواصفات؟ أهو مكر التاريخ ؟ في أوقات الأزمات يظهر مثل هؤلاء في مسرح التاريخ ليصبوا الزيت في النار ويشعلوا النيران ويبثوا الاضطراب والانقسام ؟ لأن التاريخ  كما يقول هيجل ؟ لا يتحول إلا في أوقات الحروب والأزمات؟ فمن يشعل تلك الحروب ويثيرها ؟ الحكماء ؟ بالطبع لا! القادة المحنكون! أبدا لا! من إذن؟ المجانين بجنون العظمة! المرضى والمضطربون سلوكيا ! هذا الرجل البرتقالي يمتلك كل تلك الخصائص. نعم لقد نجح بالفعل في بث الانقسام في الدولة والمجتمع. وفتح الجراح القديمة التي كادت تندمل. لقد قسم أمريكا ؟ وضرب صورة أمريكا في مقتل. هل تستعيد أمريكا عظمتها كما كان يدعي؟ شعاره يحمل حقيقته. فالقول بأن أمريكا ليست عظيمة ولابد أن تسترجع عظمتها، هو غباء سياسي.أمريكا قوية بالفعل بل من الأولى أن تبقى عظيمة. ولكن ما قام به هو جعل أمريكا مضطربة من جديد. لقد خلق أجواء الحرب الأهلية بكل تفاصيلها. هل يستطيع بايدن ترميم ما خربه العجوز الأحمق. لا أظن ذلك لأن الخسائر هائلة. لكن نتمنى أن تعود الأمور إلى عهدها لأننا نؤمن بأمريكا كَقيم. ولابد أن تستمر تلك القيم .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...