![]() |
رئيسي حكومة المغرب السابقين: عبد الرحمان اليوسفي وعبد الإله بنكيران |
في العالم الثالث تسلك النخب السياسية بالخصوص
مسار واضحا للتحول من النقيض إلى النقيض، وسنأخذ على سبيل المثال الماركسيين
والاسلاميين. وسنأخذ كنموذج المغرب وهو دولة من منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط،
كان المغرب قبل استعماره من طرف فرنسا واسبانيا بلدا تقليديا خالصا، لان التقليد
كان ميسم العالم القديم الذي عاشت فيه هذه المناطق قبل ولادة العالم الجديد ونزع
السحر عن العالم، بفضل الحداثة. لكن مع دخول الاستعمار الذي رفضته هذه النخب من
ناحية الإيديولوجية التي شرعن بها تدخله وهي الليبرالية، التي كانت النخب متوجسة
منها ولو نادى بها البعض، لكن هذه النخب استفادت من تلك الحداثة التي وطنها الغرب وغير
بها النسيج الاجتماعي لهذه البلدان. لا غرو إذن أن يكون العالم القديم الذي سبق
الاستعمار ذو طابع تقليدي فحتى نخب تلك المرحلة كانت تقليدية في الغالب ذات منحى
يركز على الدين والجماعة والشريعة. لذلك
فكل تحول اجتماعي تكون نخبه مناسبة لعصره، بعد الاستعمار كان الماركسيون هم حملة
المشروع الوطني الوحدوي العربي الاشتراكي، الذي سيقود التغيير ويقضي على "النظام
الكومبرادوري "ويوطن الاشتراكية ويختفي استغلال الإنسان للإنسان، فكان هؤلاء يلقبون
أنفسهم بالطليعة أي القادة الحاملين لمشعل " الثورة" والمؤطرين
للجماهير. دخلت هذه النخب في صراع مرير ودموي مع النظام الملكي الذي يقوده الحسن
الثاني آنذاك، في استنادهم إلى الوضع الاستراتيجي للعالم وحضور الاتحاد السوفياتي
الذي شكل قوة دعمهم وسند لهم، ماذا سيحدث: فشل هذا المشروع الذريع، قبل حتى أن
يسقط الاتحاد السوفياتي. إما النفي، أو اللجوء، أو القتل أحيانا. لكن مع سقوط جدار
برلين أدركت هذه النخب أن مصلحتها هي أن تستفيد من حقها في الريع السياسي، لأن "الممانعة
" ومحاولة البقاء في المعارضة والرغبة في الحفاظ على صفائها الايديولوجي، هو
مقامرة ولن يعود عليها ذلك بأي مصلحة تذكر، فتم بذلك المصالحة مع العدو القديم
ودخلت النخبة الماركسية في اللعبة السياسية في إطار ما سمي بمرحلة التناوب، لما
شارك هؤلاء في الحكم – نقول مشاركة لأنهم لم يحصلوا على السلطة الفعلية التي بقيت
بالفعل في أيدي القصر- فهمت هذه النخب أن تسيير الدولة يختلف جذريا عن طوبى الحصول
عليها. فبدأت المخططات، وهنا بقدرة قادر ستتغير البوصلة السياسية لهذه النخب من
النقيض إلى النقيض، ولا أدل على ذلك السياسات الليبرالية والنيو ليبرالية التي
باشرتها وتطبيقها الحرفي لإملاءات البنك الدولي وخوصصة الكثير من القطاعات الحيوية.
وبذلك بدأت هذه النخب من خلال احتكاكها بالمسؤولية والواقع، تتخلى تدريجيا عن
خطابها الدعوي الايديولوجي وتفهم الواقع من موقع مختلف، لكن مكر التاريخ!
فهذه النخب باشتغالها بهذا المنطق سقطت في تناقض رهيب مع خطابها القديم وبالتالي
فقدت ثقة قواعدها وانتهت بالمعنى السياسي للكلمة. أما النخب الإسلامية فهذه شأنها أكثر سريالية،
فهي بدورها تريد الحصول على السلطة لكن ليس بمنطق " التحليل الملموس للواقع
الملموس" بل بمنطق" الحكم بما انزل الله" وهي طوبى أكثر تطرفا من
الأولى، وبالتالي وظفت الكثير من رأسمالها النضالي في الطهرانية الأخلاقوية وغاب
عنها المعطى الاقتصادي نهائيا. الذي حدث هو ان هذه الإيديولوجية كانت بالفعل قد
صوبت الكثير من الخطاب الديني التقليدي الذي حمله السلفيون وظلوا أوفياء له ولم
يتخلوا عن العنف الذي يعتبر جزءا مهما من الخطاب الديني، وحاولو بدورهم أن يحوزا على
السلطة لكن بالعنف. التيار الاخواني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحين هذا
التيار الفرصة حتى جاءت انتفاضات 2011 وكانوا هم أصحاب المشروع السياسي الذي استغل
الظرفية وقفزوا مباشرة إلى قمرة القيادة دون أن تكون لهم أدنى فكرة عن الحكم وأمور
الدولة انطلقوا من المساجد والنوادي الدينية رأسا نحو سدة الحكم، ما الذي وقع ؟ هنا
تختلف الحالات ففي بعض الدول التي حصلوا فيها على السلطة التنفيذية بشكل شبه كلي
حاولوا تغيير قواعد اللعبة منذ اليوم الأول، فأدوا ثمن تهورهم غاليا في مصر
بالخصوص. في تونس وجدوا أمامهم تيارا مدنيا جد قوي، قبلوا باللعبة لأنهم أدركوا
قواعدها بالإضافة إلى حصول نوع من التوازن بينهم وبين التيار المدني الذي استثمر
فيه بورقيبة منذ الخمسينيات. في المغرب الذي يهمنا لم يستطيعوا اختراق ما يسمى في
المغرب "المخزن "وهو الدولة العميقة التي تتكون من الملك ومحيطه والنخبة
الاقتصادية القوية. ما الذي؟ وقع دخلوا بالفعل بتهور لكن البنية كانت عصية على
الاختراق رغم كل المحاولات، فبدأت هذه النخب تستوعب الدروس ومع مرور الأيام تحولت
من واقع طوباوي إلى إدراك الواقع الموضوعي. ما القاسم بين هاتين النخبتين؟ القاسم
هو أن كلاهما صاحب إيديولوجيا انقلابية لم تنجح حاولوا تغيير البنى لم يهيمنوا على
السلطة " تلبرلو Ils
se libéralisaient " أي
أصبحوا شيئا فشيئا يطبقون أجندات المؤسسات الدولية ويطبقون سياسات ليبرالية
كالخوصصة وتشجيع الاستثمار والتخلي عن الوظيفة العمومية والقبول أكثر بالحريات ، رغم أن ذلك كان من جملة
هفواتهم السياسية حيث تورطوا في أكثر من قضية أخلاقية وانهارت صورتهم الطهرانية أمام
قواعدهم.