كثيرون هم أعداء الثقافة الأمازيغية، على الخصوص اتجاهان
إيديولوجيان، الاتجاه الإسلاموي، الذي يرفض الأمازيغية هوية وثقافة ولغة، لأنها
تزاحم العربية والعروبة التي أرادو لها أن تكون ركنا سادسا من أركان الإسلام،
وكذلك لأنها ثقافة تتضمن موروثا ورؤية للعالم تختلف أو تناقض ما جاء به الإسلام، كذا!
نازعين بذلك صفة " الكوني" عن الإسلام. الاتجاه الثاني، هو الاتجاه
القومي العروبي، التي يرفض الثقافة الأمازيغية، لأن أتباع هذا التيار يرون أن النهوض
بالأمازيغية هو تهديد للعربية التي هي عماد القومية العربية. كلا هذين التيارين استئصاليين،
لأنهما يرفضان الأمازيغية، والنهوض بها، وبالتالي تهميشها أو تواريها في الظل في
أفق زوالها وبالتالي بناء دولة العروبة في خيال القوميين، أو أمة الإسلام في مخيال
الإسلاميين. وبذلك العودة إلى الأزمنة الغابرة في الماضي السحيق، لأن الانخراط في العصر
غير ممكن فمستقبل هؤلاء في ماض متخيل غابر. لذلك فكل دعوة للنهوض والتفكير في
المستقبل تثير نوازعهم وأحقادهم. الكثير من هؤلاء ماتوا لأن الخطاب الذي ينادون به
انقضى إلى الأبد في ظل انتصار قيم الديموقراطية والحداثة، التي تجعل من التنوع
الثقافي عبر العالم، ركيزة أساسية في البناء الديموقراطي لكل دولة، لكن مازال هناك
بعض الوجوه التي غزتها التجاعيد، والرؤوس التي بيضها الشيب والتي تفشل الصبغات في
تغطيتها، واحد من هؤلاء، وفي ظل تقاعده السمين من تدبير لقطاع وزاري كانت حصيلته
فيه صفرا، اختار أن يمارس هواية تدبيج مقالات صحافية ينفث فيها سمومه وأحقاده على
هوية البلاد واختيارات قيادته، التي كان ينحني لها خضوعا وتذللا. هذه المقالات تدور
حول فكرة واحدة وهي العداء للخطاب الأمازيغي وللثقافة الأمازيغية. في السابق
اعتقدنا أن صاحبنا ربما أراد أن يدلو برأيه في قضية تشغل الرأي العام ومسلسل
دمقرطة وتحديث المغرب، لكن مع الوقت تبين أن صاحبنا مصاب بمتلازمة اسمها "
الأمازيغوفوبيا"، ربما لأن القضية جدلية لذلك أراد ربما أن يثير حولها الجدل،
لكن للأسف ذلك لم ينجح لأن ما يقوم به يمر دو ن أن يلتف إليه أحد. هذه الحالة تعبر
عن مأساة المثقف في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط، التي أصبح فيها الوضع
الثقافي مزمنا فعوض أن ينشغل " مثقفونا" بالقضايا الرئيسية في البلد،
ومنها الانتقال الديموقراطي، والوحدة الديموقراطية، والتحول الرقمي، والقضايا
الاستراتيجية، ها هم يؤججون الأحقاد ويردون على اختيارات الدولة، فإن كانت
الأمازيغية إذن بهذا السوء، فلماذا وجه صاحبنا كلامه للمثقفين والنشطاء الأمازيغ،
ولا يوجهه بالمقابل إلى القائمين الفعليين على السياسة الاستراتيجية في البلد،
ونحن نعلم أن النهوض بالأمازيغية، كان قرارا ملكيا في إطار الاختيار الحداثي
للمغرب، وربما هي المسألة التي يعيها جيدا صاحبنا، فكما يقول القول المأثور "
وحدها الأشجار المثمرة ترمى بالحجر"، فلماذا لم نجد صاحبنا يخصص أي مقال في
السابق وهو الذي عاش تلك الخمسينيات والستينيات، لأنه رجل طاعن في السن، لماذا لم
يكتب حول الأمازيغية، إلا في هذا التوقيت بالضبط، السبب واضح لأن هناك عملا عظيما
أنجر فيما يتعلق بالأمازيغية في المغرب، وهو نضال منسجم مع الخطاب الحداثي
والديموقراطي الذي يشهده المغرب، وهو ما يشكل عقدة نقص رهيبة لصاحبنا. خلاصة الأمر
أن الخطاب الذي يدعو له صاحبنا خطاب موبوء وقد اصطدم بالحائط، سواء الخطاب
الإسلاموي أو الخطاب القومي العربي. الخطاب السائد اليوم هو خطاب أساسه الدولة
وليس الأمة، إن كانت هناك أمة أصلا فهي الأمة المغربية. ولكل أمة تاريخ وحضارة،
المغاربة في السابق كانت تحكمهم إيديولوجية آتية من المشرق، ثم استعمرتهم
إيديولوجية آتية من الغرب. اليوم المغاربة يؤسسون لهويتهم، والمحدد الأساسي لتلك
الهوية هي الأرض التي تتأسس عليها حضارة البلد، على صاحبنا أن يقوم بجولة عبر
المغرب من شماله إلى جنوبه، من شرقه إلى غربه، ليرى سكانه كما هم في واقعهم،
وليسمع أصواتهم ولغاتهم وهويتهم، ويشاهد توبونوميته Toponomie البلد، أنذاك سيدرك أن
هوية المغرب هي هوية واحدة في إطار التعدد، وهو الأمر المنصوص في دستور المملكة،
وليدرك أن الأمازيغية هي هوية أصيلة غير مستوردة من الخارج. لكن للأسف صاحبنا يعيش
في عالم منته وهو سجين خيالات منفصلة عن الواقع، وعليه أن يستيقظ ليدرك هذه
الحقيقة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire