vendredi 10 septembre 2021

تحولات الإخوان في المشهد السياسي المغربي بين 2011 و2021: قراءة في انتخابات 8 شتنبر 2021

 


منذ 20 فبراير 2011 إلى غاية 8 شتنبر 2021، مرت عشر سنوات شهد فيها العالم ومنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط عموما، والمملكة المغربية على وجه الخصوص تحولات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية ثقافية. سنركز في هذه المقالة على تحولات المشهد السياسي بالخصوص، الذي يترجم بالضرورة التحولات الأخرى التي تؤثر في السياسي. في 2011 انطلقت مظاهرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، كانت ذات طابع سياسي محض طالب بإسقاط الأنظمة السياسية، وتحقيق مطالب ذات طابع اجتماعي. هذه الدول كانت محكومة في الغالب من طرف أنظمة سلطوية إما عسكرية، أو قومية، أو ملكيات مطلقة. في المغرب مرت حوالي عقدين على آخر دستور وضعه الحسن الثاني قبل وفاته، وتميزت كذلك بحكومة تناوب توافقي شارك فيها الاشتراكيون بعد سنين في المعارضة. لكن 2002 تم الانحراف عن " المنهجية الديموقراطية" بتعيين تكنوقراطي على رأس الحكومة. 2007 ترأس حزب الاستقلال الحكومة. في ظل الصعود التدريجي لحزب العدالة والتنمية الاخواني، كان صعوده مطردا ومكتسحا وذا طابع إيديولوجي قوي مكنه من رفع شعبيته لدى الجماهير الواسعة من المجتمع التي تسعى إلى تغيير أحوالها الاجتماعية، وقد حاولت الدولة كبح جماح الحزب الإسلامي ولم تستطع، فجاء الربيع الديموقراطي سنة 2011 ووقع خلاف في الحزب حول خيارات سياسية عدة.

الإخوان والمشهد السياسي المغربي بين 2011 و2016

 الذي وقع أن الإخوان استفادوا من حركة الشارع رغم معارضتها في البداية وتوظيفها لاحقا في ابتزاز الملكية، وفي ظل دستور جديد استطاعوا ترأس حكومة 2012. بتحالفهم مع أحزاب إدارية ووطنية، لكن خروج الاستقلال من الحكومة فرض عليهم التحالف مع حزب الأحرار الذي رموه بالفساد في السابق، استمرت تجربة الحكومة خمس سنوات لم يستطع فيها الحزب تحقيق أي مكتسب حقيقي من الوعود التي رفعوها وانصرفت قيادتهم  و بالخصوص رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى أسلوب الصدام والبلطجة السياسية زيادة على عدم تعودهم على قيادة دواليب الدولة ثم الحماس الزائد الذي تركه عندهم الخزان الانتخابي الذي ساندهم في البداية، ومع مرور الوقت بدأت الحكومة الإخوانية بتدبير ملفات اجتماعية حارقة لم تستطع الحكومات السابقة تدبيرها، وذلك في شكل تحد ومواجهة القواعد الشعبية من جهة ومن جهة أخرى الدولة العميقة التي سخرت كل آلتها لمواجهتهم، لأن السبب ليس عدم الرغبة في نجاحهم، ولكن الرغبة في تحدي المؤسسة الملكية وضرب قواعد اللعبة السياسية، التي آمن بها عبد الإله بنكيران عضو الشبيبة الإسلامية حينما قاد رفاقه المتعصبين أصحاب الخيار المسلح للبحث عن المشاركة من داخل المؤسسات، لكن لما وصلوا إلى الحكم نسوا الالتزامات التي دخلوا بها إلى اللعبة وبدأت مناوراتهم، ومن هنا وجاهة الملاحظة القائلة بأن تيارات الإسلام السياسي كلها مجتمعة على هدف وحيد أوحد هو الوصول إلى الدولة الدينية، لكن أخطر  هذه التيارات هي التيار الإخواني الذي يمارس التقية السياسية إذ يسلم بالديموقراطية كتقنيات ويرفضها كعمق وفلسفة ونظرية في السياسية وقيم في نهاية المطاف، وبالتالي وصولهم لترأس الحكومة لم يرو تعطشهم الشديد للسيطرة السياسية، وهذه الملاحظة تنطبق عليهم في كل التجارب التي شاركوا فيها خاصة في مصر وتونس، مصر لما بدأوا في محاولة تطبيق هذه المناورة تم اقتلاعهم بالحديد والنار ، تونس وجدوا تجدر للفكر المدني في مواجهتهم، في المغرب استطاعت الملكية أو ما يسمى في المغرب بالمخزن باستيعابهم، وبالتالي لم تتجه الدولة المغربية لاقتلاعهم بالحديد والنار و لكن تركت لهم المجال لفضحهم وتبيان فشل مشروعهم السياسي. وهكذا بدأوا في نهج سياسية الاقتراض وبالتالي رفع الدين العام واثقال كاهل الميزانية، ثم رفع سن التقاعد والاقتطاعات، ثم الرفع من ثمن المحروقات، ثم ضرب الوظيفة العمومية وسن التعاقد في أسلاك التعليم. ثم تصفية شركات الدولة، لما انتهت الشعارات وخفت الحماس بدأت الصورة الحقيقية للإخوان تنكشف، بطبيعة الحال للقواعد الشعبية وبالأخص الطبقات الوسطى في المدن، زيادة على كل ذلك تراجع الصورة الطهرانية التي نجحوا في تسويقها وهي " نظافة اليد" و " الأخلاق" و " المرجعية الإسلامية" و " الإصلاح" و " محاربة الفساد" وفي لحظة معينة انهارت هذه الشعارات وانكشفت الخديعة واكتملت هذه الحفلة التنكرية في الفضائح الأخلاقية والجنسية التي وقعوا فيها. زيادة على عامل آخر هو أسلوب قيادتهم وبالأخص الآمين العام بنكيران، الذي صرف الكثير من الجهد في مواجهة الطواحين الهوائية فكان بصدق دونكيشوت المشهد السياسي ما بين 2012 و2016. انتهت ولاية بنكيران واهتزت صورة الحزب لدى الجماهير الواسعة من المجتمع المغربي، لكن المفاجأة أن قواعدهم ملتزمة معهم تنظيميا، بالإضافة إلى المساندة في الخفاء لجماعة العدل والإحسان المتطرفة لهم. زيادة على عدم وجود بديل حقيقي لهم في الساحة، فتم تفسير صراع حزب الأصالة والمعاصرة معهم على أنه بالفعل محاصرة لنفسهم الإصلاحي ومما زاد الطن بلة المشاكل التنظيمية التي سقطت فيها الأحزاب السياسية التقليدية.  المفاجأة أن الحزب استطاع أن يحصل على المرتبة الأولى وبالتالي أن يقود الحكومة، لولاية ثانية طبقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور المغربي الذي ينص على أن يكون رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات.

الإخوان والعدو الأبدي

في لا وعي الجماعات الدينية دائما هناك عدو أبدي قوي مختف يتآمر عليهم ويترصدهم ويريد القضاء عليهم، عبر التاريخ. هذا الوسواس لم يختف لوصولهم للسلطة لأنه لو كان هناك هذ العدو المفترض لما وضعوا أصلا أرجلهم حتى في جمعية في أفقر حي في مدينة هامشية، لكن وصولهم إلى الدولة وتسيير دواليبها، كأن جسما ما دخيلا لا ينسجم مع هذا الجهاز ، بالتالي لم يستطيعوا الاندماج و استيعاب الدولة بمفهومها الهيجلي، لأنهم أصلا لا يؤمنون بها، يكفي الرجوع إلى الأدبيات التي يستقون منها نظرتهم لفهم نمط تفكيرهم، لكن رغم ذلك استغلوا أبشع استغلال السلطة التي حصلوا عليها، وأغرقوا الدواوين الوزارية والإدارات المركزية ورئاسات الجامعات و عمادات الكليات، و المجالس المحلية المنتخبة وكل المنافذ التي استطاعوا الوصول إليها بأتباعهم، من جهة أخرى نشروا خطاب المظلومية في كل الاتجاهات ولم يتوانوا لحظة في الاستمتاع بما توفره المناصب من امتيازات من تتبع الصحافة لهم، وسفاريتهم إلى الخارج و المبيت في أرقى الفنادق واستقبال الشخصيات المهمة، وركوب السيارات وتغيير أوضاعهم الاجتماعية، لأن غالبية نخبهم منحدرة من أوساط فقيرة ومتوسطة، لما وصلوا للحكم تغيروا جذريا، وهو ما جعل القواعد الشعبية المحرومة التي صوتت عليهم تكشف هذه الحقيقة. هذه المظلومية كان النصيب الأكبر لحزب الأصالة والمعاصرة الذي اتهموه بأبشع النعوت ولا تمر مناسبة إلا وقياداتهم تكيل التهم والسب والقذف في مسؤولي الأصالة والمعاصرة.

الإخوان والمشهد السياسي المغربي بين 2016 و2021

لما انتهت الولاية الأولى، عاد بنكيران من جديد في كامل الثقة هذه المرة، واكتسحوا من جديد عموديات المدن الكبرى والبرلمان 125 ب مقعدا، وبدؤوا في تشكيل الحكومة، الأصالة والمعاصرة رفض المشاركة معهم، ففتحوا مفاوضات مع باقي الأحزاب كان من الممكن أن يحظى بنكيران بولاية أخرى لكن تعنته ورفضة لمشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة حال دون ذلك وعطل الزمن السياسي المغربي ستة أشهر، حتى أعاد الملك تعيين أضعف قيادي منهم في منصب رئيس الحكومة وهو سعد الدين العثماني، شخصية العثماني نقيض تماما لبنكيران قبل العثماني شروط الأحرار وتشكلت الحكومة وانقسموا بذلك تنظيميا بين أتباع بنكيران المتطرفين وأتباع الاستوزار. وتم التخلص في النهاية من بنكيران في مؤتمر الحزب وبدأت المواجهات الداخلية بينهم كالعقارب، وهكذا كانت ولايتهم الثانية ثقيلة عليهم خاصة في ضعف رئيس الحكومة وزيادة فضائحهم. لكن نسبيا تم التخلص من الازعاج الذي كان يحدثه بنكيران رغم أنه من الحين والآخر يقوم بخرجات للتشويش على الحكومة.

8 شتنبر 2021 ليلة السكاكين الطويلة

وصلت الانتخابات وبدأت الحملة، حملة العدالة والتنمية تتضمن نقطة فريدة ووحيدة هي مهاجمة عزيز أخنوش، الذي قاد حملة احترافية وسطر برنامجا واضحا، وتميز بأسلوب قيادي متميز، وهيكل الحزب ولم يسلم من شن حملات الكترونية على كتائب الاخوان الالكترونية لمقاطعة شركاته، لكن لم يستسلم وواصل العمل. حملة الإخوان بينت حجم السخط الشعبي عليهم، وصلت إلى الاعتداءات اللفظية على بعض قياداتهم، وتبين أن الأحرار هو صاحب المرتبة الأولى حتى قبل الاقتراع. وهو ما حدث لكن المفاجأة أن الإخوان حصلوا على 12 مقعدا فقط، مقابل 125 سنة 2016، واكتسحت موجة من الارتياح المجتمع، ورغم عودة الأحرار الذين رشحوا الأعيان وأصحاب النفوذ رغم ذلك حدث ارتياح بمغادرة الإخوان للأبد للمشهد السياسي المغربي، ولولا القاسم الانتخابي وهو تغيير تقني في الاقتراع لما حصلوا على أي مقعد، وهو الأمر الذي رفضوه جملا وتفصيلا في البداية.

المشهد السياسي ما بعد الإخوان: موت التنظيم وخلود الفكرة الإخوانية

حكم الإخوان في المغرب كانت له عدة سلبيات أهمها استنزاف عقد من الزمن السياسي المغربي وتعطيل المسار الديموقراطي، لكن من جهة وصول الإخوان إلى السلطة مكن من كشف حقيقتهم لمن لا يعرفها، ثم بين فشل الخطاب الدعوي الديماغوجي في عالم يغلي بالمنافسة على أعلى المستويات، ومن جهة أخرى تجاوز المغرب تمرينا ديموقراطيا حقيقيا لأنه مكن هذا التيار الذي يترجم جيدا آمال قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى والفقيرة في المغرب، مكنه من المشاركة في محك التدبير الواقعي لسير الشأن العام، فبين كما هو الشأن في كل الدول التي وصل فيها إلى السلطة على عدم قدرته خطابه الإيديولوجي على الانسجام مع الواقع الكوني. الإخوان انتهوا في شمال افريقيا والشرق الأوسط وانتهت معهم الإيديولوجيا التي نظروا لها في نهاية العشرينيات،  في مصر  اقتلعوا بالقوة في تونس كذلك، في المغرب، وصلوا بالصناديق إلى السلطة وغادوها بالصناديق وهذا أحسن ما في الديموقراطية رغم بعض عيوبها، لأن الديموقراطية أوصلت للسلطة من لا يؤمن بها أصلا.

لكن رغم كل ذلك فإن الفكرة الإخوانية ولتي تتقاسمها كل التيارات مازالت قائمة ونقصد الرغبة في " نظام إسلامي يوحد الأمة العربية الإسلامية". هذه الحنين الرومانسي للماضي متجذر في اللاوعي الجمعي للمسلمين أينما وجدوا، وليس من السهل تجاوزه، فكم من حركة دينية بدأت وانتهت بهذا الشكل، لكن لا تكاد تمر فترة حتى تعود الفكة الخلاصية من جديد، الوهابية مثلا والحركة الموحدية والمرابطية   في المغرب وتيارات الشيعة والأحزاب الدينية وغيرها. طوبى الدولة الدينية هوس يسكن النص الديني المؤسس، والعقل الإسلامي مسجون في هذا الإطار. لذلك نؤكد من جديد أن الثقافي يتجاوز السياسي. في ظل سقوط الإخوان في المغرب وصعود حزب جل أعضائه من عالم المال والنفوذ ربما يغير المعادلة، وذلك من خلال تنزيل الرؤية الملكية المتمثلة في فتح الاستثمار وتشجيع المبادرة والدفع بالمغرب نحو التنافس على المستوى القاري والإقليمي والدولي. أظن أن الوعود التي حملها برنامج الأحرار وهي كلها ذات طابع اجتماع مستنزف للميزانية لا تنسجم مع الرؤية الليبرالية.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...