mercredi 27 octobre 2021

كيف نهض أردوغان بتركيا وكيف دمرها؟

 


تركيا الحديثة هي صنيعة كمال أتاتورك الذي تملأ صوره وتماثيله كل الساحات التركية، هو أب الأمة التركية الحديثة، أردوغان الاخواني يدرك في العمق هذه الحقيقة. لذلك لما بدأ نجمه يصعد في التسعينيات من القرن العشرين هو وجماعة نجم الدين أربكان لم يصطدموا مع العقيدة الأتاتوركية ولم تكن لهم الجرأة في ذلك، لأنهم تصرفوا كما يتصرف الإخوان دائما التقية والتلون والمراوغة. لأن مشروعم الحضاري مؤجل دائما، مادام لا يمكن تحقيقه على الطريقة التي يعلمها الجميع وهي حمل الرايات السوداء وجز الرؤوس ومصادرة الحرية، وهنا يكمن ذكاء الرؤية الأرداغونية. ثم عامل آخر مهم وهو دمج هذا الفكر الاخواني مع القومية التركية. بالتالي فلم يكن من اللائق سياسيا مواجهة الأتاتوركية مادام في الظاهر حليفا على المستوى النظري، لذلك تأجلت المعركة فيما بعد إلى مواجهة الأتاتوركية في عمقها الدولتي، وهو ما توفق فيه أردوغان بشكل كبير فيما سمي بمؤامرة الجيش سنة 2014. التسعينيات كانت بداية المشروع السياسي والحشد الجماهيري. منذ بداية الألفية الثالثة بدأت ثمار الرؤية الأرداغونية التي كانت تطمح إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. خاصة لما أصبح أردوغان رئيسا للحكومة ولا ننسى نجاحاته في تسيير مدينة إسطنبول. لقد كان رجل سياسي ناجح. لكن هناك قول مأثور مؤداه من أجل معرفة حقيقة شخص ما، أعطه السلطة. أردوغان لما وصل للسلطة عبر عملية من التدرج البطيء، ظهر على حقيقته، ولا أدل على ذلك أن كل المحيطين به قد انفضوا من حوله، وهو ما مكنه من اكتساح الدولة التركية كجهاز، لأنه كما ذكرنا كعقيدة ليس لأردوغان اي بطولات يمكنه من خلالها منازعة المؤسس العظيم وأب الأمة التركية وتلك لعمري هي الغصة في حلق هذا الرجل. لا يمكن من باب الموضوعية أن ننفي النجاحات الاقتصادية لتركيا فقد استطاع حزب العدالة والتنمية أن ينجح في ذلك، ويجعل من تركيا دولة مزدهرة ومتطورة، بل في لحظة ما سعت تركيا بكل قوة الاندماج بالاتحاد الأوروبي. وترك لعنة الجغرافيا التي حشرتها حضاريا مع عرب مهزومين ومنهكين. لكن التحول الكبير حدث مع مجيء ما سمي بالربيع العربي، ووجد أردوغان الفرصة لتحقيق رؤيته بمحيطه وهو أن يتحول إلى قوة إقليمية تملأ الفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط، آنذاك كل الاهتمام كله منصرفا إلى الخارج، بعد أن توهم أنه قد حقق واستنفد كل جهده في الداخل وكي يتقوى في الداخل عمل على تغيير النظام السياسي من النظام البرلماني حيث القوة في يد البرلمان إلى النظام الرئاسي، لأنه أراد أن يقوي موقعه ويؤبد حكمه على البلاد فكان ما كان. لقد سحق التجربة الديموقراطية وتحرش بالعلمانية، وخلق الأحادية السياسية أو أراد أن يخلقها لأنه مازال هناك قوى معارضة حقيقة يشكلها الأكراد والأتاتوركيين. فهو لم يستطع سحقهم، بل ساهم من حيث لايدري في تقويتهم وتصليب جبهتهم. في الأخير صرفت الملايير على الحروب الاقليمية، حيث اختار أردوغان أن يكون زعيما للأتراك والعرب، بل للمسلمين عامة! كذا. وحشر أنفه في سوريا حيث مركز صراع إقليمي ودولي كبير. وتدخل في المشاكل الداخلية للدول، دعم الإخوان المهزومين في مصر، وجعل أنقرة قبلة كل إخوانيي العالم. ثم قطع علاقاته مع مصر. ثم بعد ذلك حشر أنفه في الصراع الخليجي ودعم دويلة قطر ووضع يده فيها وصرف الملايير لتموينها جوا بعدما حوصرت برا وبحرا. وساءت علاقته بالدول الخليجية. واتخذ الإمارات كعدو. ثم في مسألة سوريا حشر أنفه من جديد فكان في البداية مع المحتجين ودعم كل الإرهابيين الذين يشكلون معارضة النظام البعثي وأصبحت تركيا المحطة الأولى التي يصل إليها كل قتلة العالم قبل دخول ساحة الوغى السورية وتحالف مع الدول الغربية واجه روسيا بل واصطدم معها بإسقاط مقاتلة روسية فاشتدت الأزمة بين البلدين وكادت تنشب الحرب بينهما، وتلقى عقوبات اقتصادية قاسية من يوتين، الذي أدبها بشدة. في لحظة ما تغيرت بوصلة التحالف فاتجهت نحو المعسكر الشرقي وأصبح بوتين وأروغان صديقين حميمين بعدما كانا عدوان لذودان. كما لم يترك أردوغان أي صراع جيوسياسي إلا وحشر أنفه فيه، لذلك تدخل في ليبيا ودعم إخوانها بالمال والسلاح والإعلام. كما دعم إخوان تونس. ثم فتح جبهة جديدة مع مصر واليونان لما أراد أن يرسم حدوده البحرية دون توافقات مع الجيران. المهم هذا الطموح الاقليمي لتركيا أردوغان كان عنوان لاندحار تجربة التنمية في تركيا لأنه في ظل طموحاته وخيالاته حول الزعامة الإقليمية فرط في الشأن الداخلي التركي وتسبب له ذلك في أزمة اقتصادية كبيرة، خاصة لما اقتحم عرين الوحش الجيواستراتيجي الأمريكي وأعلن الصدام معه فكان التأديب الاقتصادي له بالغ الضرر عليه كما ضيع شراكته مع الأوروبيين. لكن الملاحظ أن هناك فصاما نفسيا في شخص أردوغان فرغم هذه الصراعات مع الحلفاء يظل مشتتا، فهو حليف سياسي لروسيا ولكن في نفس الوقت هو عضو في تحالف شمال الأطلسي. ولا ننسى بطبيعة الحال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في تركيا من اعتقالات الصحافيين والمعارضين بله الحلفاء على حد سواء. وفي ظل كل هذه التخبطات فنحن لا نستغرب حينما يعلن أن عشر سفراء أكبر الدول في العالم غير مرغوب فيهم، وما ذلك سوى تطاول تغذيه الخيالات الشخصية والتاريخية. ولا نستغرب ذلك لو وضعنا تجربة أردوغان في ضوء التاريخ. آنذاك ندرك أن لكل شيء بداية وازدهار وانحطاط. ما يقع في تركيا اليوم هو انحطاط لآخر إخواني يحكم دولة علمانية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...