انهزم الإخوان،
انتخابيا، سياسيا كذلك، لكن هل انهزموا بالفعل إيديولوجيا ؟ لست متفائلا لأجيب بالإيجاب، مادام الوضع الاقتصادي
للطبقات الاجتماعية، خاصة الطبقة الدنيا، والطبقة الوسطى، هو الشيء الذي يحدد مدى
قدرة المجتمع بطبقاته الثلاث على تحقيق نوع من الاستقرار السياسي والاجتماعي،
النخب التي أفرزتها انتخابات 8 شتنبر
2021، تنتمي في غالبها إلى الطبقة العليا على المستوى التنفيذي، كل الوزراء الذين استوزروا
والمنتمين للأحرار هم نخب ذات تعليم فرنكفوني و أنجلسكسوني وهو الجديد في هذه
التشكيلة الحكومة، لغة المصلحة والتنفيذ والتخطيط والعمل، تسبق لغة الإصلاح ومحاربة
الاستبداد و "المبادئ والقيم"، التي كان الإخوان يحصنون بها رصيدهم
الانتخابي، الطبقات السفلى والوسطى، كانت ساخطة في البداية لكن لوحظ شبه إجماع على
أخنوش وحكومته، حتى القصر أكثر تفاهما مع هؤلاء خاصة في الرؤية السياسية، التي
ترجح الاقتصادي على السياسي، فيما الإخوان يركزون على الإيديولوجي، لأن فاقد الشيء
لا يعطي، ف"النخبة الاخوانية" منتمية اجتماعيا وطبقيا في الغالب إلى
طبقة وسطى من القطاع العام، وليست لديها عقلية " استثمارية" التي ستكون في حجم الرؤية الملكية، أخنوش هو
نتاج عالم المال والأعمال، وما أكثر المنتقدين والمشيطنين لرجال الأعمال الذين
يظهرون للعوام ك" مصاصي دماء متعطشين"، لكن ما يحسب للنخبة الاقتصادية
هو قدرتها على العمل والتخطيط، وإعطاء الأولوية للواقعي والعملي، على السياسي
الإيديولوجي، وهي نفس الملاحظة التي كان يوجهها خصوم أخنوش له باعتباره ليس "
سياسيا حقيقيا"، فالسياسة عندهم هي اعتلاء المنابر والصراخ وتجييش العامة،
تلك هي السياسة، ولا يدركون أن السياسة هي فن لتدبير الشأن العام، وهي كذلك قدرة
على خلق الثروة ، دعك من توزيعها فتلك مسألة أخرى، إذن إشكالية حكومة أخنوش أنها
عينت لتسيير شؤون مجتمع في قلب تحول استراتيجي كبير، الإخوان لم يكونوا في حجم ذلك
التحول، اللهم أن أعظم ما تم تحقيقه في ولايتهم، تأكيد أن الدولة المغربية حققت
خيارها المنطقي، لأنها سمحت لتيار إيديولوجي تقوى بفعل حركة الشارع في 2011 دون أن
تكون له الإمكانيات اللازمة لممارسة الحكم، على التداول السلمي على السلطة سواء في
المجاس المحلية أو الجهوية أو في البرلمان ثم في الحكومة، لمدة عشرة سنوات، كان المغاربة
هم الضحية للقرارات التي اتخذوها، لكن رغم الخسائر، فأكبر نجاح هو أن الإخوان صعدوا عبر الصناديق، جاءوا
إلى الكراسي بصيحات النصر والتهليل، وبعد عُشْر قرن غادروا المسؤولية بصيحات
الاستهجان والتحقير بل " البصق والشتم" كما حدث مع وزير الميزانية السابق
" الأزمي". ما أعظمه من إنجاز، تلك رسالة المغرب للمنطقة وللعالم وقد
حظي بإشادة الإعلام الدولي، لأن الإخوان لم يغادروا بالدبابات كما حدث في مصر التي
لحقتها الاعتقالات والسجون والتصفيات الجسدية، لم يغادروا كذلك بالانقلابات
الدستورية كما حدث في تونس، لقد غادروا بالصناديق وبالديموقراطية، كما جاؤوا
بالصناديق والديموقراطية، دعونا إذن نحتفل بهذا الإنجاز في ظل طموحات أكبر للمغرب
كدولة وحكومة وشعب. الحكومة الجديدة هي إفراز طبيعي لما يحدث في عمق المجتمع فرغم
أن الشأن العام المحلي تولته بعض النخب المحلية التي صعدت بالوجاهة القبلية
والمناطقية، لكن مستوى تدبير الشأن الوطني على المستوى الحكومي، أفرزت حكومة
كفاءات من ثلاث أحزاب، وتم تجاوز الحكومات التي كانت تتألف من عدد لا حصر له من
الأحزاب التي تبلقن القرار الحكومي، وتضعف الأداء التنفيذي. وفي ظل هذا التفاؤل
نتساءل: هل ينجح الليبراليون الاقتصاديون فيما فشل فيه الإسلاميون الإخوان ؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire