تفاعل
المغاربة مؤخرا مع حدث إكمال حفر نفق في مدينة الرباط، الشركة التي تولت المهمة
كان عليها أن تضع أجَلا محددا لإنهاء الأشغال لأن هذه الأشغال نتج عنها عرقلة حركة
السير خاصة حركة الترامواي وهي وسيلة نقل مهمة تربط ساكني العدوتين. لما
بدأت الأشغال حدث ارتباك في تنقل المسافرين عبر الترامواي سيما ضرورة تغيير القاطرة
في محطة الحسن الثاني وقطع
مسافة ليست بالقصيرة مشيا ثم الصعود على متن قاطرة جديدة في محطة
16 نونبر وهو ما خلف استياء كبيرا لدى مجموعة من المواطنين كما حدث ارتباك لدى
أصحاب السيارات كذلك. لم تلتزم الشركة المعنية بالأشغال بالآجال المحددة فقط، بل
انتهت قبل الأجل مسجلة بذلك رقما قياسيا في سجل تنفيذ المشاريع على المستوى
الوطني. واستغرق الورش أربعين يوما فقط!
المستفاد
من هذه الواقعة الصغيرة هو الدروس العظيمة التي يمكن استخلاصها، تمثل مثل هذه
الوقائع نماذج فريدة في إطار صورة أعم تتميز كما يعلم الجميع، بالتماطل في تنفيذ
المشاريع وكذلك عدم تنفيذها على الوجه المطلوب، سواء كانت هذه المشاريع متناهية في
أهميتها كصباغة رصيف أو إصلاح عمود كهربائي أو تغيير مصباح إنارة عمومية. أو بناء
مرحاض عمومي ... إلخ أو كانت من طبيعة المشاريع المتوسطة كإنجاز طريق وطنية، أو بناء
سد، أو إنشاء مؤسسة، أو إصلاح خدمة النقل في مدينة من المدن أو تجاوزت كل ذلك
وأصبحت من المشاريع الكبرى التي يتم في الغالب تدشينها وفق مخططات مهيكلة ومندمجة وتتميز
بتعدد المتدخلين وتكون تكلفتها مرتفعة وتكون ذات بعد استراتيجي، مثل جل المخططات
التي يدشنها الملك من حين لآخر مثل مشروع تهيئة المدن الكبرى كالرباط وتطوان، ومراكش،
وأكادير، وغيرها. أو مشروع المغرب الأخضر والمخطط الأزرق ومشاريع منارة المتوسط
وغيرها. لو تأملنا في كل هذه المشاريع مند انطلاقها بدءا من مكاتب الدراسات
الأولية مرورا بالاتفاقيات المبرمة وصولا إلى الانطلاق الفعلي، نجد أن الغالية
منها تشهد تعثرات، حتى ولو كانت في أحيان كثيرة " مشاريع ملكية" دشنها
الملك شخصيا. والمفروض كما جرت العادة أن مثل هذه المشاريع تحظى بأولوية أكبر لأنها
تحت إشراف الملك مباشرة. إذن نرى أن الكثير من التعثرات خاصة تلك المتعلقة بآجال التنفيذ
والاستلام. دون الحديث عن جودة المشروع نفسه. هذه الصورة الكبيرة لا تعجب الكثير
من المواطنين بطبيعة الحال، لكن من منطلق موضوعي فهناك في أسوا الظروف وأقبح
السياقات بقع ضوء تحتاج منا اعتبارها كنماذج لما سماه جيل دولوز ثورات
ميكروسكوبية. ويقصد بها بعض الظروف والمواقف التي يكون فيها المتدخلين من فصيلة
الثوار والمغامرين ومن جملة أولئك الذين يحاولون تحدي البنية والظروف المحيطة التي
يشهد الجميع على سلبيتها وعدم ارتقائها إلى المستوى المطلوب. وهو ما يجعل المغرب
كما هو الشأن في كل بلدان العالم الثالث يصنف في مؤخر التصنيفات على مستوى التنمية
البشرية. هذه
الثورات بمعناها الجزئي تختلف عن تلك الثورات التي نظر لها المنظرون والفلاسفة أي ثورة
تأتي من فوق فتغير كل شيء. إذن مثل هذه المبادرات ونقط الضوء يجب أن نحتفل بها
ونشجعها ونسلط عليها الكثير من الأضواء لتكون نموذجا لكل مواطن مهما قلت مرتبته الاجتماعية
أو عظمت، ولحسن الحظ فمع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي من حين لآخر نرى نماذج مثل
هذه، والتي تتفاعل معها الجماهير بشكل كبير. إنجاز
نفق حسان في ظرف 40 يوم قد يكون حدثا بسيطا في الواقع لكنه من حيث الدلالة هو عظيم
وكبير. وماذا لو تصورنا مثلا أن كل الفاعلين سواء كانوا سياسيين، أو نخب اقتصادية،
أو ثقافية، أو مسؤولين، أو موظفين صغار، أو أي شخص يعيش في تربة هذا لوطن. ماذا لو
تحولت بلادنا إلى ورش من مثل هذه الإنجازات البسيطة. بتلك الطريقة سيكون لدينا
كمجتمع وكدولة وكأمة حلم جماعي، يساهم كل واحد منا في إنجازه. وبتلك الطريقة قد
نستطيع أن نشتغل كل في مكانه ومن موقعه بحماس وصدق وستعود الثقة الى المواطن وقد
يصدق فينا قول غاندي : أن يكون كل واحد منا التغيير الذي ير يد أن يراه في العالم ,
وقد نكف كذلك عن لعن الظلام ونشعل شمعة من الأمل ! ربما!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire