بغض
النظر عن الأعراض الجانبية القبيحة التي رافقت حدث سقوط طفل في بئر عميقة في قرية
تمروت بشفشاون، ومنها مثلا الاسترزاق ومحاولة بعض المؤدلجين تفسير الحدث بمقياسيهم
وغيرها. كل ذلك لم يحجب المعنى العظيم للحدث وهو تأثيره على العاطفة الكونية
للإنسانية ومما زاد من ملحمية هذا الحدث الصغير الذي تحول إلى إنجاز عظيم هو
الرغبة الشديدة والتسابق من أجل إنقاذ حياة طفل صغير، حتى في الطبيعة الحيوانية
يقع نفس الأمر خاصة حينما يتوحد القطيع الحيواني من أجل انقاد عضو ما في محنة. لكن
في المجتمع الانساني يأخذ ذلك صورة أعمق وأجل. وإن كان ذلك يعبر على شيء فإنما
يعبر على قوة الحياة وقدسيتها باعتبارها أسمى ما يوحد البشر. فرغم الشتات الثقافي
والتباعد الجغرافي والسياسي، إلا أن الكل تعاطف مع تلك الحياة البشرية التي كانت
في حالة خطر بين الحياة والموت. وكان الرجاء هو أن يتم إنقاذ الطفل، رغم أن ذلك لم
يتحقق يا للأسف في النهاية. ومما زاد من وهج اللحظة الزمنية هو انتشار الخبر بفضل وسائل
الإعلام خاصة الإلكترونية التي نقلت الحدث بالصوت والصورة فتابعه الملايين عبر
ربوع العالم لحظة بلحظة، والكثير من المتابعين ربطوا الليل بالنهار متابعين تطورات
عملية الإنقاذ، وكلما تأخر الأمر إلا وارتفعت الرغبة المحمومة في الوصول إلى جسم هذا
الإنسان الصغير، حتى أن تخيل ريان الصغير ساقطا من على 32 متر، مجروحا ومحتضرا، في
مكان مظلم وضيق وبارد جائعا وعطشانا ومقاوما الموت، كل ذلك حقق اللمسة الدرامية
للحدث فتحول إلى بطولة. ولا ننسى بطبيعة الحال المتدخلين في عملية الإنقاذ، الأم
والأب المصدومين واللذين ينتظران الفرج، ثم سائقو الجرافات الذين يحفرون الخندق
المؤدي لأسفل الحفرة و" عمي الصحراوي" الذي حفر الأجزاء المتبقية من
النفق. وأفراد الوقاية المدنية بزيهم ورجال الأمن والجماهير الغفيرة التي تجمعت
حول مكان الواقعة. كل هذه العناصر وغيرها كَثفت اللحظة الزمنية ورفعت الطفل الصغير
الى مرتبة أسمى من الإنساني ولعبت العاطفة دورا كبيرا في هذه العملية. في النهاية
تم الوصول الطفل، ولكن يا للأسف توفي تم الإعلان عن الخبر عبر بلاغ من الديوان
الملكي، واتصل الملك شخصيا بالوالدين وعزاهما. وتقاطرت رسائل التعزية للأمة
المغربية وملكها ولوالدي الطفل من كل بقاع الدنيا. ومن أعلى سلاليم المسؤولية
السياسية والرياضية والفنية وتحولت الشبكات الاجتماعية طيلة تلك الليلة وما والاها
إلى لحظة عزاء جماعية خلفت التعاطف الكوني مع حياة بشرية بريئة في جبل منسي في بلد
إفريقي.
ماذا
نستفيد من هذه الواقعة؟ نستفيد أن المشاعر الإنسانية عظيمة ويمكنها أن تتحول إلى
لحام للجسم الانساني ككل. الحياة
مقدسة عند البشر خاصة لما تكون بريئة وفي لحظة ضعف وتطلب إنقاذها من خطر محذق.
البشر
رغم اختلافاتهم وصراعاتهم تتنافى تلك الخلافات في اللحظات العصيبة وتختفي بذلك
العواطف الحزينة وتحل محلها العواطف النبيلة.
رغم صدق
الكثير من المشاعر إلا أن مثل هذه الأحداث تبين كذلك النفوس الخبيثة وتجار الأزمات
الذين ظهروا خلال هذا الحدث ومن جملتهم أصحاب الصفحات والنصابين والشحاذين
والباحثين عن الشهرة والفضوليين.
وفي
النهاية نقول صبرا جميلا لوفاة الطفل المسكين، لكن يا ليث الناس يتوحدون حول قضايا
إنسانية مشتركة من هذا النوع وبهذا الحماس فمازال بيننا الكثير من أمثال رايان
يعانون الفقر والهدر والجوع.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire