dimanche 15 mai 2022

تأملات في التحولات الجيوستراتيجية في النظام الدولي

 

 


تأثير الفراشة هي نظرية تؤكد أن رفرفة جناح فراشة في المحيط الهادي قد يكون سببا في إحداث إعصار في أمريكا، ومعنى ذلك أن كل فعل مهما. عظم مقداره وحجمه فإن الزمن كاف لأن يجعله يتعاظم ويسبب كارثة، إن استحضار هذه النظرية القاء رؤية تأملية عميقة على المشهد العالمي اليوم سيبين أن الأحداث المتواترة تنبأ بتحولات كبيرة. لم يبدأ الأمر اليوم أو في نهاية الألفية الماضية أو في بداية هذه الألفية. أو مع بدأ تاريخ البشر، بل الأمر عبارة عن قانون طبيعي كوني يحكم الأشياء كما يحكم البشر والتاريخ. لذلك فنحن في إطار تحول سياسي كوني وكبير لا يقل أهمية عن سقوط جدار برلين أو الحربين العالميتين، الحديث هنا عن الحرب الروسية الأوكرانية، التي ستكون القشة التي ستقصم ظهر تناقضات كبيرة متراكمة في أفق تاريخ العالم. منذ التسعينيات بالضبط مع سقوط جدار برلين أي ثلاثة عقود والتحولات متواترة: سقط الاتحاد السوفياتي وانهارت الايديولوجية الشيوعية. ودخل العالم عصر العولمة. العولمة لم تكن سوى أممية ليبرالية، رأسمالية على المستوى الاقتصادي وديموقراطية على المستوى السياسي وهجانة ثقافية على المستوى الثقافي. على النموذج الامريكي لذلك أصبحت أمريكا قائدة العالم وضابطة إيقاع كل الفاعلين. فاندمجت القوى العظمى في المنظومة. لكن رغم ذلك قيادة أمريكا تشكل كابوسا للقوى العظمى المنخرطة في السوق الرأسمالية العالمية، لكن التي ترفض النموذج الليبرالي الديموقراطي. لذلك تحاول هذه الدول أن تغير النموذج السياسي العالمي، لكن أن تظل في السوق العالمي، لذلك فالصين وروسيا لا ترفضان الرأسمالية، بل هما فاعلتين في منظومتها بكل قوة، لكن ما ترفضانه هو تماهي النموذج الاقتصادي مع النموذج السياسي بالضرورة. بوتين اليوم لما يشن حربا على جارته الغربية، فهو يشن حربا على نموذج سياسي ترسخ في اوكرانيا وهو النموذج الديموقراطي الليبرالي. لذلك يحاول أن يوقف زحف هذا الطوفان السياسي ولو انتهك كل القواعد الدولية المرسومة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كخرق ميثاق الأمم المتحدة خاصة الفصل الثاني الذي ينص على سيادة الدول على اراضيها، لكن مبرراته هو ان يقضي على ما يسميه ب" النظام النازي" ولا يقصد بذلك إلا الحكومة الليبرالية التي جاءت مع الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الموالي له. لذلك فهو لا يرفض اقتراب الناتو من حدوده، بل يرفض نظاما ديمقراطيا قد ينقل عدواه إلى عقر الدولة الروسية وهو الذي يرى نفسه القيصر الذي أعاد لروسيا هيبتها وعظمتها في العالم بعد أن مرغت في أوحال التحولات الجيوستراتيجية خلال التسعينيات. لكن هذه الحرب التي شنها بوتين، كي لا نقول شَنتها روسيا، لأن التحولات التاريخية تستدعي شخصيات بنفس خصائص الرجل لاحداث تحولات. ولا أدل على هذا الكلام تشابه بوتين مع هتلر ونابليون وموسوليني وغيرهم. هذا من جهة ومن جهة أخرى ادعاء أن ما سمي بالعملية العسكرية الخاصة في شرق أوكرانيا حدد لها سقف زمني قصير فتحول الأمر إلى هجوم على أوكرانيا كلية وحاول الروس السيطرة على العاصمة كييف لكن لم يستطيعوا القيام بذلك فتراجعت الوحدات العسكرية إلى الشرق. وقد مر أكثر من يومين دون تحقيق النتائج المرسومة في البداية. لكن تأثير الصراع على المنظومة العالمية ينذر بمزيد من الأزمات على المستوى العالمي وهو ما سميناه بتأثير الفراشة في بداية المقال. وتأتي هذه الأزمة العسكرية لتنضاف إلى الأزمة الصحية التي استمرت أكثر من عامين، وهو ما يرسم معالم عالم جديد عنوانه: مواصلة تأديب الدول المارقة وترسيخ النموذج الكوني للأبد لكن بين ذلك الهدف والان قد تحدث الكثير من الفوضى لذلك يصدق قول غرامشي: " عالم جديد يموت وعالم جديد يولد وبينهما تولد الوحوش." وهو ما يستدعي منا محاولة الفهم بدل الضحك او البكاء أو اللامبالاة كما يقول سبينوزا.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

أي مخرج للحرب في غزة

  يقول اسبينوزا: "لا شيء يدعو للبكاء، لا شيء يدعو للضحك، كل شيء يدعو للفهم." بدأت الحكاية منذ البداية، من خلال استعمار كامل لما ...