العنف ضد النساء هو قضية كونية، لا ترتبط
بمنطقة دون غيرها، وقد أصبحت من القضايا الكبرى في عالمنا المعاصر، وكما قال ماركس
" فالإنسانية لا تطرح إلا الأسئلة التي يجب أن تجيب عنها."، مسألة
المرأة مسألة على الإنسانية الإجابة عنها لذلك لا بأس إن ارتفعت الأصوات بين مؤيد ومعارض
لحقوق النساء. لكن
دعونا نتحدث عن النساء في العالم الإسلامي، لأن قضيتهن مركبة بشكل كبير تتفاعل
فيها العوامل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. وفي نظرنا أن
العوامل الأخيرة هي السبب الأعمق لكمية الكراهية تجاه النساء، وذلك لأن أسس كل
ثقافة هي أخلاقها وقيمتها، وهذه المنطقة من العالم تدين بالإسلام، ودعونا نفتح
المراجع الكبرى في الإسلام من قرآن وسنة واجتهادات فقهية، سنجد تراكما عظيما من
النصوص التي تؤكد كلها أفضلية الرجال على النساء بدءا بالقرآن وصولا لفتاوى
الفقهاء. رغم أن القرآن في كثير من آياته جاء لتحرير النساء من الحجر والظلم، لكن
الفقهاء الذين يمثلون السلطة المعرفية والرمزية، التي نصبت نفسها حارسة معبد الدين
والكهنوت، ترفض رفضا قاطعا فتح هذا النقاش، وما كمية الصراخ التي يصدرونها كلما
حاولت امرأة ما أن تتحدث إلا دليل على ضيق الأفق وعدم القدرة على النقاش بهدوء لأن
العاطفة والأهواء الدينية في تلك اللحظة تطفآن نور العقل وعدم النظر في المسائل
بميزان المنطق لأن بدونه لا يمكن الخروج برأي موضوعي حول هذه القضية. أكتب حول هذه القضية لأنه في بحر هذا الأسبوع
جريمتان بشعتان هزتا الرأي العام في منطقة الشرق الاوسط، الأولى وقعت في جامعة
المنصورة في مصر لما حز شاب عنق فتاة بعد أن وجه إليها الكثير من الطعنات. قبل أن
ينقض عليه المارة ولولاهم لما سلخ الجلد عن اللحم. الجريمة الأخرى البشعة وقعت في
الأردن لما دخل ملثم حرم الجامعة وأفرغ مسدسه في جسد فتاة وأطلق ساقيه للريح.
نموذجان خلقا الكثير من الجدل حول الأسباب والدوافع. لفهم الظاهرة لا بد من استحضار ما ذكرناه
سابقا، فالصور الذهنية والتمثلات التي من خلالها يشتغل العقل الجمعي في العالم
العربي مليئة بالصور السلبية المشيطنة للمرأة بدءا من القصة الإبراهيمية حول حواء
وصولا الى التأويلات الفقهية المعاصرة. كم كبير من الكراهية للمرأة وجسدها، وصوتها،
وحريتها وحقوقها. هذه الصور هي التي تغذي المخيال الفردي الذي يحكم سلوك الفرد. وهؤلاء
القتلة الذين قاموا بهذه الجرائم البشعة بكل فضاضة وكراهية كانوا مدفوعين بدوافع
شخصية بطبيعة الحال ولكن السند الرمزي والثقافي لهذا العنف مازال الفقهاء يدافعون
عنه بشكل كبير، وكل دعوة لفتح النقاش حول هذه القضية تواجه بالتخوين والشيطنة
والعمالة للغرب الكافر !