mardi 7 juin 2022

جبروت العقل الجمعي

 


الكثير من المحللين يربطون مركز الثقل في أي مجتمع إلى النظام السياسي الحاكم، ويربطون بين التغيير نحو الديموقراطية، بإسقاط أو الضغط على هذا النظام وبالتالي تحسم مسألة الانتقال الديموقراطي بطريقة آنية ومباشرة. ما أقبح هذا التحليل السطحي والمبتذل.

لأن الناظر بمزيد من العمق للمشكلة ، سيجد أن السلطة الحقيقية ليست بيد الساهرين على النظام، نعترف بأن لهم سلطة بطبيعة الحال، وهي سلطة سياسية وإدارية بالدرجة الأولى، لكن السلطة الحقيقية هي في مكان آخر هو أقرب إليك من حبل الوريد، السلطة أنت وأنا ونحن من يمارسها ويرسخها، تترسخ هذه السلطة كمخيال جمعي عظيم يلقي بثقله على كامل الجسم السياسي والاجتماعي لأي مجتمع، وهو التحليل الذي اشتغلت عليه فلسفة ما بعد الحداثة بشكل كبير، حيث أولت الجوانب الثقافية التي همشتها السرديات الكبرى كالماركسية وغيرها الكثير من الأهمية، ليتبين مع مشيل فوكو مثلا أن السلطة كميكرو فيزياء لا تنفصل عن السلطة كماكر وفيزياء، فما يمارسه المخيال الجمعي على الفرد، أكبر بكثير مما تمارسه الحكومة. ولنا في المجتمعات الإسلامية خير مثال، فحالة التخلف البنيوي التي تعاني منها الدول التي تنتمي إلى هذه المنظومة تكاد تتشابه في الكثير من الحالات حد التطابق أحيانا، ولم تنجح الانقلابات وتغيير أنظمة الحكم في قلب الوضعية وتأسيس مجتمعات مستقرة وديموقراطية، والسبب هو البنى الذهنية والثقافية الراسخة لدى هذه المجتمعات، فلم تعد الشعوب هي الدافع للانعتاق والتحرر، بل هي المعيق الفعلي، ولا يمكن تحميل الأنظمة السياسية لوحدها وزر التخلف والاستبداد، بل الضمير الجمعي لطبقات واسعة من هذه المجتمعات هي الحجرة الكأداء أمام التطور، لكن  مثل هذا التحليل لن يرضي محبي الديماغوجية، لذلك تجد أن الكثير من النخب تعرف هذه الحقيقة، لكن تظل هذه الحقائق نقاش الصالونات المغلقة، وتتهامس النخب بها فيما بينها، لأن الجهر بها قد يضر بمصلحة هذه النخب، التي لا تستطيع مواجهة الجمهور بالحقيقة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...