lundi 29 novembre 2021

الانتهاء من بناء نفق حسان في أربعين يوم: أي درس؟

 


تفاعل المغاربة مؤخرا مع حدث إكمال حفر نفق في مدينة الرباط، الشركة التي تولت المهمة كان عليها أن تضع أجَلا محددا لإنهاء الأشغال لأن هذه الأشغال نتج عنها عرقلة حركة السير خاصة حركة الترامواي وهي وسيلة نقل مهمة تربط ساكني العدوتين.  لما بدأت الأشغال حدث ارتباك في تنقل المسافرين عبر الترامواي سيما ضرورة تغيير القاطرة في محطة الحسن الثاني وقطع مسافة ليست بالقصيرة مشيا ثم الصعود على متن قاطرة جديدة في محطة 16 نونبر وهو ما خلف استياء كبيرا لدى مجموعة من المواطنين كما حدث ارتباك لدى أصحاب السيارات كذلك. لم تلتزم الشركة المعنية بالأشغال بالآجال المحددة فقط، بل انتهت قبل الأجل مسجلة بذلك رقما قياسيا في سجل تنفيذ المشاريع على المستوى الوطني. واستغرق الورش أربعين يوما فقط!

المستفاد من هذه الواقعة الصغيرة هو الدروس العظيمة التي يمكن استخلاصها، تمثل مثل هذه الوقائع نماذج فريدة في إطار صورة أعم تتميز كما يعلم الجميع، بالتماطل في تنفيذ المشاريع وكذلك عدم تنفيذها على الوجه المطلوب، سواء كانت هذه المشاريع متناهية في أهميتها كصباغة رصيف أو إصلاح عمود كهربائي أو تغيير مصباح إنارة عمومية. أو بناء مرحاض عمومي ... إلخ أو كانت من طبيعة المشاريع المتوسطة كإنجاز طريق وطنية، أو بناء سد، أو إنشاء مؤسسة، أو إصلاح خدمة النقل في مدينة من المدن أو تجاوزت كل ذلك وأصبحت من المشاريع الكبرى التي يتم في الغالب تدشينها وفق مخططات مهيكلة ومندمجة وتتميز بتعدد المتدخلين وتكون تكلفتها مرتفعة وتكون ذات بعد استراتيجي، مثل جل المخططات التي يدشنها الملك من حين لآخر مثل مشروع تهيئة المدن الكبرى كالرباط وتطوان، ومراكش، وأكادير، وغيرها. أو مشروع المغرب الأخضر والمخطط الأزرق ومشاريع منارة المتوسط وغيرها. لو تأملنا في كل هذه المشاريع مند انطلاقها بدءا من مكاتب الدراسات الأولية مرورا بالاتفاقيات المبرمة وصولا إلى الانطلاق الفعلي، نجد أن الغالية منها تشهد تعثرات، حتى ولو كانت في أحيان كثيرة " مشاريع ملكية" دشنها الملك شخصيا. والمفروض كما جرت العادة أن مثل هذه المشاريع تحظى بأولوية أكبر لأنها تحت إشراف الملك مباشرة. إذن نرى أن الكثير من التعثرات خاصة تلك المتعلقة بآجال التنفيذ والاستلام. دون الحديث عن جودة المشروع نفسه. هذه الصورة الكبيرة لا تعجب الكثير من المواطنين بطبيعة الحال، لكن من منطلق موضوعي فهناك في أسوا الظروف وأقبح السياقات بقع ضوء تحتاج منا اعتبارها كنماذج لما سماه جيل دولوز ثورات ميكروسكوبية. ويقصد بها بعض الظروف والمواقف التي يكون فيها المتدخلين من فصيلة الثوار والمغامرين ومن جملة أولئك الذين يحاولون تحدي البنية والظروف المحيطة التي يشهد الجميع على سلبيتها وعدم ارتقائها إلى المستوى المطلوب. وهو ما يجعل المغرب كما هو الشأن في كل بلدان العالم الثالث يصنف في مؤخر التصنيفات على مستوى التنمية البشرية. هذه الثورات بمعناها الجزئي تختلف عن تلك الثورات التي نظر لها المنظرون والفلاسفة أي ثورة تأتي من فوق فتغير كل شيء. إذن مثل هذه المبادرات ونقط الضوء يجب أن نحتفل بها ونشجعها ونسلط عليها الكثير من الأضواء لتكون نموذجا لكل مواطن مهما قلت مرتبته الاجتماعية أو عظمت، ولحسن الحظ فمع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي من حين لآخر نرى نماذج مثل هذه، والتي تتفاعل معها الجماهير بشكل كبير. إنجاز نفق حسان في ظرف 40 يوم قد يكون حدثا بسيطا في الواقع لكنه من حيث الدلالة هو عظيم وكبير. وماذا لو تصورنا مثلا أن كل الفاعلين سواء كانوا سياسيين، أو نخب اقتصادية، أو ثقافية، أو مسؤولين، أو موظفين صغار، أو أي شخص يعيش في تربة هذا لوطن. ماذا لو تحولت بلادنا إلى ورش من مثل هذه الإنجازات البسيطة. بتلك الطريقة سيكون لدينا كمجتمع وكدولة وكأمة حلم جماعي، يساهم كل واحد منا في إنجازه. وبتلك الطريقة قد نستطيع أن نشتغل كل في مكانه ومن موقعه بحماس وصدق وستعود الثقة الى المواطن وقد يصدق فينا قول غاندي : أن يكون كل واحد منا التغيير الذي ير يد أن يراه في العالم , وقد نكف كذلك عن لعن الظلام ونشعل شمعة من الأمل ! ربما!

jeudi 18 novembre 2021

خرافة التعدد الثقافي في المغرب

 

سقف قصر الباهية بمراكش ذو الزخارف المغربية المميزة

التعدد الثقافي معناه تعدد الهويات والثقافات في وطن واحد. أو في داخل حضارة واحدة أو في العالم أجمع. وهو ميسم العالم بالفعل وتلك سنة كونية خلاقة لا جدال فيها ولا خصام! بل يجب حمايتها والدفع بها. وقد ترسخت هذه الفكرة في المغرب في دستور   2011 خاصة في الدباجة حيث يقرر بان " المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية- الإسلامية والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية، والأندلسية، و العبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبت الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء." وذلك كان بفصل نضالات الحركات الثقافية في المغرب التي سعت لتجاوز النظرة التي تؤسس عليها الدولة شرعيتها منذ إدريس الأول وهي ثنائية الإسلام والعروبة. لكن الحقيقة أن القول بالتعدد اللغوي في المغرب محض خرافة، لأن المغرب ليس بلد متعدد الثقافات رغم أن ذلك لا ينقص من قيمته شيئا، بل هو بلد متعدد الأصوات واللهجات، لأن الحياة الاجتماعية اليومية تختلط فيها لهجات المغاربة وأصواتهم. والقول بأن المغرب متعدد ثقافيا معناه أن هناك ثقافات مستقلة بنفسها، تشكل منظومة من الرموز، والأساطير، والفنون، والعادات. والتأكيد على التعدد هو نسف مبطن للوحدة. والصحيح أن المغرب متعدد لسانيا وليس متعدد ثقافيا، قد يعترض معترض قائلا: أليس هذا التعدد اللغوي مظهرا من مظاهر التعدد الثقافي، الجواب هو بالنفي لأن تعدد اللهجات في المغرب سببه الأساس، اختلاف الجغرافيا، بين سهل وهضبة وجبل. وصحراء. وكل منطقة جغرافية مخصوصة بخصائص متفردة، فأن يتكلم مواطن ما بلسان جبالة، أو بلسان الريف، أو بلسان سوس، أو لسان درعة. ليس معنى ذلك أنه حينما يعبر، يعبر عن أربع ثقافات. بل هو يعبر عن ثقافة واحدة بلسان مختلف. إذن ما هو محدد الثقافة المغربية؟ الجواب مباشر وبسيط: تمغرابيت  ! و  ما معنى تمغرابيت؟ معناها توليفة من العناصر الثقافية التي تشكلت في منطقة جغرافية، تعتبر منطقة عبور تاريخية، بين أوروبا شمالا وإفريقيا جنوب الصحراء جنوبا، وآسيا شرقا، ومادامت منطقة عبور فهذه وعاء حضاري لكل المزيج الثقافي الذي مر من المنطقة.  وهنا لابد من نسف خرافة أخرى، هي الخرافة التي يروجها أصحاب الأصالة الثقافية، سواء من يدعون الأصالة الوافدة أو دعاة الأصالة المحلية. وهو القول بماهية ثابتة للهوية والثقافة المغربية، ويبحث عن عنصر هو محور ذلك التعدد الظاهر الذي لا ينفونه كي يمنحوا ادعاءاتهم المصداقية المزيفة.  فلا وجود لتلك الماهية الثابتة، اللهم إن سلمنا بأن في المغرب ثقافة محلية أصلية وهذه مسألة لا ننكرها بتاتا، بل هي حقيقة تاريخية لم تستطع حملات الطمس المتواصلة منذ ألف ونصف الألف من السنوات، اقتلاعها، نعم استطاعت تهميش تلك الثقافة الأصلية، بشكل كبير، لكن أن تطمسها فلم يكن ذلك في المستطاع، لأن المغربي ولو أظهر احتقاره لثقافته المحلية واحتفل بثقافة الآخر الأجنبي، إلا أنه في قرارة نفسه المضمرة، يظل وفيا لها. حتى أنه لا يستطيع نفيها بالمرة، وهذا ما حدث للثقافة المحلية الأمازيغية بالخصوص، التي تصادمت مع موجات الاستعمار المتوالية على الشمال الافريقي منذ ما قبل التاريخ: الآشوريون والموستريون والعاتيريون والإيبروموريسيون مرورا بالعصر القديم، مع الفينيقيين والبونقيين والرومان، ثم الوندال، ثم القوط الغربيين فالروم البيزنطيين. وصولا للعصور الوسطى حيث وصل الغزو الإسلامي العربي، وتوالت السلالات التي اتخذت ثنائية العروبة والإسلام إيديولوجيا للحكم رغم أن كل السلالات كانت أمازيغية محلية، لكن مادام المغرب مرتبطا بالشرق فقد كانت الضرورة السياسية تقتضي الارتباط بالمشرق العربي، وهكذا تناوب على عرش المملكة، الأدارسة ثم المرابطون ثم الموحدون ثم المرينيين فالوطاسيين فالسعديين فالسملاليين فالعلويين.  ثم أخيرا الاستعمار البرتغالي ثم الإسباني ثم الفرنسي. لذلك ظلت تلك الثقافة المرجعية حاضرة في النفوس وهي الارتباط بالأرض والجغرافية، وهي كما قلنا سابقة ليس ماهية ثابتة، بل هي متحولة ومتداخلة، قادرة على إلحاق البشر بأصلهم الحقيقي وهو الطبيعة.

من خلال ما سبق يتبين لنا أن هذه الخرافة التي تم التأسيس لها، لا تنسجم مع واقع المجتمعات التي تشهد بالفعل ثقافات متعددة، لكن المغرب هو شعب وثقافة واحدة، نؤكد على وجود هوية محلية أصلية استوعبت العناصر الوافدة في نسيجها، لذلك فنحن نؤكد على أن الثقافة المغربية تتضمن كذلك العنصر الفرنسي والبرتغالي والاسباني في نسيجها، ومن يدعو لذلك، فالتهمة سترتد عليه لامحالة.

mercredi 27 octobre 2021

كيف نهض أردوغان بتركيا وكيف دمرها؟

 


تركيا الحديثة هي صنيعة كمال أتاتورك الذي تملأ صوره وتماثيله كل الساحات التركية، هو أب الأمة التركية الحديثة، أردوغان الاخواني يدرك في العمق هذه الحقيقة. لذلك لما بدأ نجمه يصعد في التسعينيات من القرن العشرين هو وجماعة نجم الدين أربكان لم يصطدموا مع العقيدة الأتاتوركية ولم تكن لهم الجرأة في ذلك، لأنهم تصرفوا كما يتصرف الإخوان دائما التقية والتلون والمراوغة. لأن مشروعم الحضاري مؤجل دائما، مادام لا يمكن تحقيقه على الطريقة التي يعلمها الجميع وهي حمل الرايات السوداء وجز الرؤوس ومصادرة الحرية، وهنا يكمن ذكاء الرؤية الأرداغونية. ثم عامل آخر مهم وهو دمج هذا الفكر الاخواني مع القومية التركية. بالتالي فلم يكن من اللائق سياسيا مواجهة الأتاتوركية مادام في الظاهر حليفا على المستوى النظري، لذلك تأجلت المعركة فيما بعد إلى مواجهة الأتاتوركية في عمقها الدولتي، وهو ما توفق فيه أردوغان بشكل كبير فيما سمي بمؤامرة الجيش سنة 2014. التسعينيات كانت بداية المشروع السياسي والحشد الجماهيري. منذ بداية الألفية الثالثة بدأت ثمار الرؤية الأرداغونية التي كانت تطمح إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. خاصة لما أصبح أردوغان رئيسا للحكومة ولا ننسى نجاحاته في تسيير مدينة إسطنبول. لقد كان رجل سياسي ناجح. لكن هناك قول مأثور مؤداه من أجل معرفة حقيقة شخص ما، أعطه السلطة. أردوغان لما وصل للسلطة عبر عملية من التدرج البطيء، ظهر على حقيقته، ولا أدل على ذلك أن كل المحيطين به قد انفضوا من حوله، وهو ما مكنه من اكتساح الدولة التركية كجهاز، لأنه كما ذكرنا كعقيدة ليس لأردوغان اي بطولات يمكنه من خلالها منازعة المؤسس العظيم وأب الأمة التركية وتلك لعمري هي الغصة في حلق هذا الرجل. لا يمكن من باب الموضوعية أن ننفي النجاحات الاقتصادية لتركيا فقد استطاع حزب العدالة والتنمية أن ينجح في ذلك، ويجعل من تركيا دولة مزدهرة ومتطورة، بل في لحظة ما سعت تركيا بكل قوة الاندماج بالاتحاد الأوروبي. وترك لعنة الجغرافيا التي حشرتها حضاريا مع عرب مهزومين ومنهكين. لكن التحول الكبير حدث مع مجيء ما سمي بالربيع العربي، ووجد أردوغان الفرصة لتحقيق رؤيته بمحيطه وهو أن يتحول إلى قوة إقليمية تملأ الفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط، آنذاك كل الاهتمام كله منصرفا إلى الخارج، بعد أن توهم أنه قد حقق واستنفد كل جهده في الداخل وكي يتقوى في الداخل عمل على تغيير النظام السياسي من النظام البرلماني حيث القوة في يد البرلمان إلى النظام الرئاسي، لأنه أراد أن يقوي موقعه ويؤبد حكمه على البلاد فكان ما كان. لقد سحق التجربة الديموقراطية وتحرش بالعلمانية، وخلق الأحادية السياسية أو أراد أن يخلقها لأنه مازال هناك قوى معارضة حقيقة يشكلها الأكراد والأتاتوركيين. فهو لم يستطع سحقهم، بل ساهم من حيث لايدري في تقويتهم وتصليب جبهتهم. في الأخير صرفت الملايير على الحروب الاقليمية، حيث اختار أردوغان أن يكون زعيما للأتراك والعرب، بل للمسلمين عامة! كذا. وحشر أنفه في سوريا حيث مركز صراع إقليمي ودولي كبير. وتدخل في المشاكل الداخلية للدول، دعم الإخوان المهزومين في مصر، وجعل أنقرة قبلة كل إخوانيي العالم. ثم قطع علاقاته مع مصر. ثم بعد ذلك حشر أنفه في الصراع الخليجي ودعم دويلة قطر ووضع يده فيها وصرف الملايير لتموينها جوا بعدما حوصرت برا وبحرا. وساءت علاقته بالدول الخليجية. واتخذ الإمارات كعدو. ثم في مسألة سوريا حشر أنفه من جديد فكان في البداية مع المحتجين ودعم كل الإرهابيين الذين يشكلون معارضة النظام البعثي وأصبحت تركيا المحطة الأولى التي يصل إليها كل قتلة العالم قبل دخول ساحة الوغى السورية وتحالف مع الدول الغربية واجه روسيا بل واصطدم معها بإسقاط مقاتلة روسية فاشتدت الأزمة بين البلدين وكادت تنشب الحرب بينهما، وتلقى عقوبات اقتصادية قاسية من يوتين، الذي أدبها بشدة. في لحظة ما تغيرت بوصلة التحالف فاتجهت نحو المعسكر الشرقي وأصبح بوتين وأروغان صديقين حميمين بعدما كانا عدوان لذودان. كما لم يترك أردوغان أي صراع جيوسياسي إلا وحشر أنفه فيه، لذلك تدخل في ليبيا ودعم إخوانها بالمال والسلاح والإعلام. كما دعم إخوان تونس. ثم فتح جبهة جديدة مع مصر واليونان لما أراد أن يرسم حدوده البحرية دون توافقات مع الجيران. المهم هذا الطموح الاقليمي لتركيا أردوغان كان عنوان لاندحار تجربة التنمية في تركيا لأنه في ظل طموحاته وخيالاته حول الزعامة الإقليمية فرط في الشأن الداخلي التركي وتسبب له ذلك في أزمة اقتصادية كبيرة، خاصة لما اقتحم عرين الوحش الجيواستراتيجي الأمريكي وأعلن الصدام معه فكان التأديب الاقتصادي له بالغ الضرر عليه كما ضيع شراكته مع الأوروبيين. لكن الملاحظ أن هناك فصاما نفسيا في شخص أردوغان فرغم هذه الصراعات مع الحلفاء يظل مشتتا، فهو حليف سياسي لروسيا ولكن في نفس الوقت هو عضو في تحالف شمال الأطلسي. ولا ننسى بطبيعة الحال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في تركيا من اعتقالات الصحافيين والمعارضين بله الحلفاء على حد سواء. وفي ظل كل هذه التخبطات فنحن لا نستغرب حينما يعلن أن عشر سفراء أكبر الدول في العالم غير مرغوب فيهم، وما ذلك سوى تطاول تغذيه الخيالات الشخصية والتاريخية. ولا نستغرب ذلك لو وضعنا تجربة أردوغان في ضوء التاريخ. آنذاك ندرك أن لكل شيء بداية وازدهار وانحطاط. ما يقع في تركيا اليوم هو انحطاط لآخر إخواني يحكم دولة علمانية.

dimanche 10 octobre 2021

هل تنجح الحكومة الليبرالية فيما فشلت فيه الحكومة الإخوانية؟

 


انهزم الإخوان، انتخابيا، سياسيا كذلك، لكن هل انهزموا بالفعل إيديولوجيا ؟  لست متفائلا لأجيب بالإيجاب، مادام الوضع الاقتصادي للطبقات الاجتماعية، خاصة الطبقة الدنيا، والطبقة الوسطى، هو الشيء الذي يحدد مدى قدرة المجتمع بطبقاته الثلاث على تحقيق نوع من الاستقرار السياسي والاجتماعي، النخب التي أفرزتها انتخابات  8 شتنبر 2021، تنتمي في غالبها إلى الطبقة العليا على المستوى التنفيذي، كل الوزراء الذين استوزروا والمنتمين للأحرار هم نخب ذات تعليم فرنكفوني و أنجلسكسوني وهو الجديد في هذه التشكيلة الحكومة، لغة المصلحة والتنفيذ والتخطيط والعمل، تسبق لغة الإصلاح ومحاربة الاستبداد و "المبادئ والقيم"، التي كان الإخوان يحصنون بها رصيدهم الانتخابي، الطبقات السفلى والوسطى، كانت ساخطة في البداية لكن لوحظ شبه إجماع على أخنوش وحكومته، حتى القصر أكثر تفاهما مع هؤلاء خاصة في الرؤية السياسية، التي ترجح الاقتصادي على السياسي، فيما الإخوان يركزون على الإيديولوجي، لأن فاقد الشيء لا يعطي، ف"النخبة الاخوانية" منتمية اجتماعيا وطبقيا في الغالب إلى طبقة وسطى من القطاع العام، وليست لديها عقلية " استثمارية"  التي ستكون في حجم الرؤية الملكية، أخنوش هو نتاج عالم المال والأعمال، وما أكثر المنتقدين والمشيطنين لرجال الأعمال الذين يظهرون للعوام ك" مصاصي دماء متعطشين"، لكن ما يحسب للنخبة الاقتصادية هو قدرتها على العمل والتخطيط، وإعطاء الأولوية للواقعي والعملي، على السياسي الإيديولوجي، وهي نفس الملاحظة التي كان يوجهها خصوم أخنوش له باعتباره ليس " سياسيا حقيقيا"، فالسياسة عندهم هي اعتلاء المنابر والصراخ وتجييش العامة، تلك هي السياسة، ولا يدركون أن السياسة هي فن لتدبير الشأن العام، وهي كذلك قدرة على خلق الثروة ، دعك من توزيعها فتلك مسألة أخرى، إذن إشكالية حكومة أخنوش أنها عينت لتسيير شؤون مجتمع في قلب تحول استراتيجي كبير، الإخوان لم يكونوا في حجم ذلك التحول، اللهم أن أعظم ما تم تحقيقه في ولايتهم، تأكيد أن الدولة المغربية حققت خيارها المنطقي، لأنها سمحت لتيار إيديولوجي تقوى بفعل حركة الشارع في 2011 دون أن تكون له الإمكانيات اللازمة لممارسة الحكم، على التداول السلمي على السلطة سواء في المجاس المحلية أو الجهوية أو في البرلمان ثم في الحكومة، لمدة عشرة سنوات، كان المغاربة هم الضحية للقرارات التي اتخذوها، لكن رغم الخسائر، فأكبر  نجاح هو أن الإخوان صعدوا عبر الصناديق، جاءوا إلى الكراسي بصيحات النصر والتهليل، وبعد عُشْر قرن غادروا المسؤولية بصيحات الاستهجان والتحقير بل " البصق والشتم" كما حدث مع وزير الميزانية السابق " الأزمي". ما أعظمه من إنجاز، تلك رسالة المغرب للمنطقة وللعالم وقد حظي بإشادة الإعلام الدولي، لأن الإخوان لم يغادروا بالدبابات كما حدث في مصر التي لحقتها الاعتقالات والسجون والتصفيات الجسدية، لم يغادروا كذلك بالانقلابات الدستورية كما حدث في تونس، لقد غادروا بالصناديق وبالديموقراطية، كما جاؤوا بالصناديق والديموقراطية، دعونا إذن نحتفل بهذا الإنجاز في ظل طموحات أكبر للمغرب كدولة وحكومة وشعب. الحكومة الجديدة هي إفراز طبيعي لما يحدث في عمق المجتمع فرغم أن الشأن العام المحلي تولته بعض النخب المحلية التي صعدت بالوجاهة القبلية والمناطقية، لكن مستوى تدبير الشأن الوطني على المستوى الحكومي، أفرزت حكومة كفاءات من ثلاث أحزاب، وتم تجاوز الحكومات التي كانت تتألف من عدد لا حصر له من الأحزاب التي تبلقن القرار الحكومي، وتضعف الأداء التنفيذي. وفي ظل هذا التفاؤل نتساءل: هل ينجح الليبراليون الاقتصاديون  فيما فشل فيه الإسلاميون الإخوان ؟

jeudi 16 septembre 2021

!عطش الإسلاميين الذي لم يرتَوِ

 


عشر سنوات! عمر بكامله وهم في مركز القرار التنفيذي والتشريعي للدولة المغربية. يمارسون كافة الصلاحيات يدبرون الميزانيات، يعينون، ويمارسون الحكم بشكل كامل! دعك من المظالم التي مافتؤوا يصرخون بها لإسكات أفواه من صوت ومن لم يصوت عليهم ! دعك من التحكم والعفاريت والتماسيح!  لقد كانوا يمارسون السلطة الحقيقية. ورغم أنهم بقوا على كراسي الحكم عشر سنوات دون احتساب دخولهم البرلمان منذ سنة 1997 وكذا المجالس المحلية والجهوية. لكن رغم كل ما غنموه فإن عطشهم الشديد للسلطة لم يرتو رغم كل ذلك. لأنهم لم يقبلوا ان يتقاسموا هذه الأخيرة مع أي كان. سواء كان القصر كما يدعون أو الأحزاب السياسية الأخرى. إن القوة التي اكتسحوا بها السلطة هي قوة الايديولوجيا التي نظر لها حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي.إن الإسلاميين ملة واحدة رغم إختلاف سبلهم فإن الغاية واحدة وهي تأسيس "دولة الخلافة" أولا وفي المنتهى " أستاذية العالم " بالتعيير الظريف للشيخ المؤسس. لذلك فالمغرب بتاريخه وعاداته وتقاليده لا يتسع لطموحهم. لذلك غيروا التكتيكات لما اصطدموا بالدولة في السبعينات. في الثمانينات انقسموا شيعا، منهم  من بحث عن السلطة لاقناعها بأنهم يرغبون في المشاركة رفضتهم الأحزاب الوطنية فارتموا في حضن حزب صغير هو حزب الخطيب: هو له التنظيم وهم لهم الإيديولوجيا وبدأوا يستفيدون من هامش التحول الديموقراطي الذي فتح في نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة. لكن الإستراتيجية ظلت هي هي ، لكن التنظير شيء والواقع شيء آخر، لما بدأوا يمارسون السلطة على الكراسي الوثيرة والمكاتب المكيفة والسيارات الفارهة والفيلات الفسيحة والسفريات الطويلة والماركات الغالية وملذات الدنيا الفانية. زاد عطشهم للسلطة كمن يشرب ماء البحر اللجاج! لما وجدوا أمامهم دولة حصينة هم يسمونها جورا " عميقة" لكن هي كذلك بالفعل فكل دولة بالطبع عميقة وإلا لم تكن كذلك. فأعتى الديموقراطيات فيها جانب عميق لا يتغير وهو المؤسسات، كذلك الأمر مع المغرب. لما وجدوا أن التنظير لا يستو مع الواقع لم يستسلموا، لقد حاولوا المواجهة مرحلة بنكيران كانت كلها مواجهة لكن لم تنجح. نهاية تلك المرحلة كانت كلها بكاء وعويل لأنه عملة رائجة في سوق الديماغوجية. مرحلة العثماني. انفصلت القواعد الملتزمة في البداية عن القيادة، هذه الأخيرة التي أدركت أن الأجل قريب فبدأوا يرفلون في نعيم السلطة قبل أن يغادر وها. ولم ينتبهوا مطلقا إلى الوعود التي أطلقوها والمبادئ التي رفعوها انهزموا. انهزموا في معركة تعريب التعليم العلمي. لأن العروبة كانت من بين أسس الأدلوجة الإخوانية. انهزموا في معركة التطبيع مع دولة إسرائيل. لأن البكاء على فلسطين عمود ثان في تلك الأدلوجة. كما إنهزموا أمام قانون تقنين القنب الهندي، لأنه كان بعبعا يلصقونه بحزب الأصالة والمعاصرة فيما مضى  انهزموا أخيرا أمام الأحزاب الوطنية لأن وطن الإخوان من البحر إلى البحر! لما انتهت عهدتا الإخوان، وجاء يوم 8 شتنبر 2021 حُسم الأمر لكن المفاجأة أن الهزيمة كانت كاسحة للتنظيم بطبيعة الحال أما الإيدلوجية الإخوانية فهي خالدة لا تموت. انهزم الحزب لكن بعد حين سيأتي حزب جديد تحت مسمى جديد لكن أهدافه ستظل هي نفس أهداف الإخوان وهي تأسيس دولة دينية تجمع المسلمين وتقود العالمين.

 

vendredi 10 septembre 2021

تحولات الإخوان في المشهد السياسي المغربي بين 2011 و2021: قراءة في انتخابات 8 شتنبر 2021

 


منذ 20 فبراير 2011 إلى غاية 8 شتنبر 2021، مرت عشر سنوات شهد فيها العالم ومنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط عموما، والمملكة المغربية على وجه الخصوص تحولات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية ثقافية. سنركز في هذه المقالة على تحولات المشهد السياسي بالخصوص، الذي يترجم بالضرورة التحولات الأخرى التي تؤثر في السياسي. في 2011 انطلقت مظاهرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، كانت ذات طابع سياسي محض طالب بإسقاط الأنظمة السياسية، وتحقيق مطالب ذات طابع اجتماعي. هذه الدول كانت محكومة في الغالب من طرف أنظمة سلطوية إما عسكرية، أو قومية، أو ملكيات مطلقة. في المغرب مرت حوالي عقدين على آخر دستور وضعه الحسن الثاني قبل وفاته، وتميزت كذلك بحكومة تناوب توافقي شارك فيها الاشتراكيون بعد سنين في المعارضة. لكن 2002 تم الانحراف عن " المنهجية الديموقراطية" بتعيين تكنوقراطي على رأس الحكومة. 2007 ترأس حزب الاستقلال الحكومة. في ظل الصعود التدريجي لحزب العدالة والتنمية الاخواني، كان صعوده مطردا ومكتسحا وذا طابع إيديولوجي قوي مكنه من رفع شعبيته لدى الجماهير الواسعة من المجتمع التي تسعى إلى تغيير أحوالها الاجتماعية، وقد حاولت الدولة كبح جماح الحزب الإسلامي ولم تستطع، فجاء الربيع الديموقراطي سنة 2011 ووقع خلاف في الحزب حول خيارات سياسية عدة.

الإخوان والمشهد السياسي المغربي بين 2011 و2016

 الذي وقع أن الإخوان استفادوا من حركة الشارع رغم معارضتها في البداية وتوظيفها لاحقا في ابتزاز الملكية، وفي ظل دستور جديد استطاعوا ترأس حكومة 2012. بتحالفهم مع أحزاب إدارية ووطنية، لكن خروج الاستقلال من الحكومة فرض عليهم التحالف مع حزب الأحرار الذي رموه بالفساد في السابق، استمرت تجربة الحكومة خمس سنوات لم يستطع فيها الحزب تحقيق أي مكتسب حقيقي من الوعود التي رفعوها وانصرفت قيادتهم  و بالخصوص رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى أسلوب الصدام والبلطجة السياسية زيادة على عدم تعودهم على قيادة دواليب الدولة ثم الحماس الزائد الذي تركه عندهم الخزان الانتخابي الذي ساندهم في البداية، ومع مرور الوقت بدأت الحكومة الإخوانية بتدبير ملفات اجتماعية حارقة لم تستطع الحكومات السابقة تدبيرها، وذلك في شكل تحد ومواجهة القواعد الشعبية من جهة ومن جهة أخرى الدولة العميقة التي سخرت كل آلتها لمواجهتهم، لأن السبب ليس عدم الرغبة في نجاحهم، ولكن الرغبة في تحدي المؤسسة الملكية وضرب قواعد اللعبة السياسية، التي آمن بها عبد الإله بنكيران عضو الشبيبة الإسلامية حينما قاد رفاقه المتعصبين أصحاب الخيار المسلح للبحث عن المشاركة من داخل المؤسسات، لكن لما وصلوا إلى الحكم نسوا الالتزامات التي دخلوا بها إلى اللعبة وبدأت مناوراتهم، ومن هنا وجاهة الملاحظة القائلة بأن تيارات الإسلام السياسي كلها مجتمعة على هدف وحيد أوحد هو الوصول إلى الدولة الدينية، لكن أخطر  هذه التيارات هي التيار الإخواني الذي يمارس التقية السياسية إذ يسلم بالديموقراطية كتقنيات ويرفضها كعمق وفلسفة ونظرية في السياسية وقيم في نهاية المطاف، وبالتالي وصولهم لترأس الحكومة لم يرو تعطشهم الشديد للسيطرة السياسية، وهذه الملاحظة تنطبق عليهم في كل التجارب التي شاركوا فيها خاصة في مصر وتونس، مصر لما بدأوا في محاولة تطبيق هذه المناورة تم اقتلاعهم بالحديد والنار ، تونس وجدوا تجدر للفكر المدني في مواجهتهم، في المغرب استطاعت الملكية أو ما يسمى في المغرب بالمخزن باستيعابهم، وبالتالي لم تتجه الدولة المغربية لاقتلاعهم بالحديد والنار و لكن تركت لهم المجال لفضحهم وتبيان فشل مشروعهم السياسي. وهكذا بدأوا في نهج سياسية الاقتراض وبالتالي رفع الدين العام واثقال كاهل الميزانية، ثم رفع سن التقاعد والاقتطاعات، ثم الرفع من ثمن المحروقات، ثم ضرب الوظيفة العمومية وسن التعاقد في أسلاك التعليم. ثم تصفية شركات الدولة، لما انتهت الشعارات وخفت الحماس بدأت الصورة الحقيقية للإخوان تنكشف، بطبيعة الحال للقواعد الشعبية وبالأخص الطبقات الوسطى في المدن، زيادة على كل ذلك تراجع الصورة الطهرانية التي نجحوا في تسويقها وهي " نظافة اليد" و " الأخلاق" و " المرجعية الإسلامية" و " الإصلاح" و " محاربة الفساد" وفي لحظة معينة انهارت هذه الشعارات وانكشفت الخديعة واكتملت هذه الحفلة التنكرية في الفضائح الأخلاقية والجنسية التي وقعوا فيها. زيادة على عامل آخر هو أسلوب قيادتهم وبالأخص الآمين العام بنكيران، الذي صرف الكثير من الجهد في مواجهة الطواحين الهوائية فكان بصدق دونكيشوت المشهد السياسي ما بين 2012 و2016. انتهت ولاية بنكيران واهتزت صورة الحزب لدى الجماهير الواسعة من المجتمع المغربي، لكن المفاجأة أن قواعدهم ملتزمة معهم تنظيميا، بالإضافة إلى المساندة في الخفاء لجماعة العدل والإحسان المتطرفة لهم. زيادة على عدم وجود بديل حقيقي لهم في الساحة، فتم تفسير صراع حزب الأصالة والمعاصرة معهم على أنه بالفعل محاصرة لنفسهم الإصلاحي ومما زاد الطن بلة المشاكل التنظيمية التي سقطت فيها الأحزاب السياسية التقليدية.  المفاجأة أن الحزب استطاع أن يحصل على المرتبة الأولى وبالتالي أن يقود الحكومة، لولاية ثانية طبقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور المغربي الذي ينص على أن يكون رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات.

الإخوان والعدو الأبدي

في لا وعي الجماعات الدينية دائما هناك عدو أبدي قوي مختف يتآمر عليهم ويترصدهم ويريد القضاء عليهم، عبر التاريخ. هذا الوسواس لم يختف لوصولهم للسلطة لأنه لو كان هناك هذ العدو المفترض لما وضعوا أصلا أرجلهم حتى في جمعية في أفقر حي في مدينة هامشية، لكن وصولهم إلى الدولة وتسيير دواليبها، كأن جسما ما دخيلا لا ينسجم مع هذا الجهاز ، بالتالي لم يستطيعوا الاندماج و استيعاب الدولة بمفهومها الهيجلي، لأنهم أصلا لا يؤمنون بها، يكفي الرجوع إلى الأدبيات التي يستقون منها نظرتهم لفهم نمط تفكيرهم، لكن رغم ذلك استغلوا أبشع استغلال السلطة التي حصلوا عليها، وأغرقوا الدواوين الوزارية والإدارات المركزية ورئاسات الجامعات و عمادات الكليات، و المجالس المحلية المنتخبة وكل المنافذ التي استطاعوا الوصول إليها بأتباعهم، من جهة أخرى نشروا خطاب المظلومية في كل الاتجاهات ولم يتوانوا لحظة في الاستمتاع بما توفره المناصب من امتيازات من تتبع الصحافة لهم، وسفاريتهم إلى الخارج و المبيت في أرقى الفنادق واستقبال الشخصيات المهمة، وركوب السيارات وتغيير أوضاعهم الاجتماعية، لأن غالبية نخبهم منحدرة من أوساط فقيرة ومتوسطة، لما وصلوا للحكم تغيروا جذريا، وهو ما جعل القواعد الشعبية المحرومة التي صوتت عليهم تكشف هذه الحقيقة. هذه المظلومية كان النصيب الأكبر لحزب الأصالة والمعاصرة الذي اتهموه بأبشع النعوت ولا تمر مناسبة إلا وقياداتهم تكيل التهم والسب والقذف في مسؤولي الأصالة والمعاصرة.

الإخوان والمشهد السياسي المغربي بين 2016 و2021

لما انتهت الولاية الأولى، عاد بنكيران من جديد في كامل الثقة هذه المرة، واكتسحوا من جديد عموديات المدن الكبرى والبرلمان 125 ب مقعدا، وبدؤوا في تشكيل الحكومة، الأصالة والمعاصرة رفض المشاركة معهم، ففتحوا مفاوضات مع باقي الأحزاب كان من الممكن أن يحظى بنكيران بولاية أخرى لكن تعنته ورفضة لمشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة حال دون ذلك وعطل الزمن السياسي المغربي ستة أشهر، حتى أعاد الملك تعيين أضعف قيادي منهم في منصب رئيس الحكومة وهو سعد الدين العثماني، شخصية العثماني نقيض تماما لبنكيران قبل العثماني شروط الأحرار وتشكلت الحكومة وانقسموا بذلك تنظيميا بين أتباع بنكيران المتطرفين وأتباع الاستوزار. وتم التخلص في النهاية من بنكيران في مؤتمر الحزب وبدأت المواجهات الداخلية بينهم كالعقارب، وهكذا كانت ولايتهم الثانية ثقيلة عليهم خاصة في ضعف رئيس الحكومة وزيادة فضائحهم. لكن نسبيا تم التخلص من الازعاج الذي كان يحدثه بنكيران رغم أنه من الحين والآخر يقوم بخرجات للتشويش على الحكومة.

8 شتنبر 2021 ليلة السكاكين الطويلة

وصلت الانتخابات وبدأت الحملة، حملة العدالة والتنمية تتضمن نقطة فريدة ووحيدة هي مهاجمة عزيز أخنوش، الذي قاد حملة احترافية وسطر برنامجا واضحا، وتميز بأسلوب قيادي متميز، وهيكل الحزب ولم يسلم من شن حملات الكترونية على كتائب الاخوان الالكترونية لمقاطعة شركاته، لكن لم يستسلم وواصل العمل. حملة الإخوان بينت حجم السخط الشعبي عليهم، وصلت إلى الاعتداءات اللفظية على بعض قياداتهم، وتبين أن الأحرار هو صاحب المرتبة الأولى حتى قبل الاقتراع. وهو ما حدث لكن المفاجأة أن الإخوان حصلوا على 12 مقعدا فقط، مقابل 125 سنة 2016، واكتسحت موجة من الارتياح المجتمع، ورغم عودة الأحرار الذين رشحوا الأعيان وأصحاب النفوذ رغم ذلك حدث ارتياح بمغادرة الإخوان للأبد للمشهد السياسي المغربي، ولولا القاسم الانتخابي وهو تغيير تقني في الاقتراع لما حصلوا على أي مقعد، وهو الأمر الذي رفضوه جملا وتفصيلا في البداية.

المشهد السياسي ما بعد الإخوان: موت التنظيم وخلود الفكرة الإخوانية

حكم الإخوان في المغرب كانت له عدة سلبيات أهمها استنزاف عقد من الزمن السياسي المغربي وتعطيل المسار الديموقراطي، لكن من جهة وصول الإخوان إلى السلطة مكن من كشف حقيقتهم لمن لا يعرفها، ثم بين فشل الخطاب الدعوي الديماغوجي في عالم يغلي بالمنافسة على أعلى المستويات، ومن جهة أخرى تجاوز المغرب تمرينا ديموقراطيا حقيقيا لأنه مكن هذا التيار الذي يترجم جيدا آمال قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى والفقيرة في المغرب، مكنه من المشاركة في محك التدبير الواقعي لسير الشأن العام، فبين كما هو الشأن في كل الدول التي وصل فيها إلى السلطة على عدم قدرته خطابه الإيديولوجي على الانسجام مع الواقع الكوني. الإخوان انتهوا في شمال افريقيا والشرق الأوسط وانتهت معهم الإيديولوجيا التي نظروا لها في نهاية العشرينيات،  في مصر  اقتلعوا بالقوة في تونس كذلك، في المغرب، وصلوا بالصناديق إلى السلطة وغادوها بالصناديق وهذا أحسن ما في الديموقراطية رغم بعض عيوبها، لأن الديموقراطية أوصلت للسلطة من لا يؤمن بها أصلا.

لكن رغم كل ذلك فإن الفكرة الإخوانية ولتي تتقاسمها كل التيارات مازالت قائمة ونقصد الرغبة في " نظام إسلامي يوحد الأمة العربية الإسلامية". هذه الحنين الرومانسي للماضي متجذر في اللاوعي الجمعي للمسلمين أينما وجدوا، وليس من السهل تجاوزه، فكم من حركة دينية بدأت وانتهت بهذا الشكل، لكن لا تكاد تمر فترة حتى تعود الفكة الخلاصية من جديد، الوهابية مثلا والحركة الموحدية والمرابطية   في المغرب وتيارات الشيعة والأحزاب الدينية وغيرها. طوبى الدولة الدينية هوس يسكن النص الديني المؤسس، والعقل الإسلامي مسجون في هذا الإطار. لذلك نؤكد من جديد أن الثقافي يتجاوز السياسي. في ظل سقوط الإخوان في المغرب وصعود حزب جل أعضائه من عالم المال والنفوذ ربما يغير المعادلة، وذلك من خلال تنزيل الرؤية الملكية المتمثلة في فتح الاستثمار وتشجيع المبادرة والدفع بالمغرب نحو التنافس على المستوى القاري والإقليمي والدولي. أظن أن الوعود التي حملها برنامج الأحرار وهي كلها ذات طابع اجتماع مستنزف للميزانية لا تنسجم مع الرؤية الليبرالية.


jeudi 15 juillet 2021

قراءة في كتاب و أصبحت مشيل أوباما

 



الولايات المتحدة الأمريكية بلد الحرية والنجاح والفرص العظيمة، لكن ليس الأمر كذلك كما تصوره لنا هوليود، بل ما وراء هذه الصورة الوردية تختفي غابة من التناقضات استطاع المخرج الأمريكي سام منديس سنة 1999 تصويرها في تحفته الفنية " جمال أمريكي" american beauty. يكفي فقط أن تكون أسود اللون او ذو أصل لا تيني أو امرأة أو ذو هوية جنسية مغايرة أو من الأمرنديين لتتحول سردية الآباء المؤسسين إلى نقيضها تماما. كتاب مشيل أوباما المغنون ب " وأصبحت مشيل أوباما" يصور كيف استطاعت فتاة سوداء من الجانب الجنوبي لمدينة شيكاغو كبرى مدن ولاية إلينوي، أن تتسلق السلم الاجتماعي الأمريكي وتصبح سيدة أمريكا الأولى بين 2009 و 2016 بعد أن أصبح زوجها باراك أوباما أول رئيس أمريكي أسود في تاريخها، أصبحت لم تكن تتصور تلك المكانة، لأنها في مسيرة صعود زوجها الاجتماعي اعتبرت طموحاته غير واقعية وكاد ذلك يؤدي إلى انفصالهما كما تروي ذلك بالتفصيل. الكتاب الذي يقع فيأكثر من 300 صفحة، عرض لقصة النجاح الفردي لهذه الفتاة السوداء، وهو التقليد المتجذر في الثقافة الأمريكية، التي تؤمن بالبطولات الفردية، لكن كما قلنا سابقا البطولة الفردية تكون مستحقة بشكل مضاعف في حالة كون المرء من خلفية عرقية سوداء، وهو المشكل الذي عانت منه الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها ولم تستطع التخلص منه إلى اليوم، في الكثير من الصفحات تتحدث مشيل أوباما عن هذا الموضوع، رغم أننا نجد تركيزا كبيرا على مسارها الدراسي الذي بدأ في جنوب شيكاغو ومرة بجامعة برنستون في بوسطن واختتم في هارفارد في ماساشوستس، ثم حديث عن مسارها المهني الذي انطلق من شركة المحاماة sidly حيث ستلتقي بزوجها المستقبلي الذي احتضنته كمتدرب في الشركة. ثم مرورا باشتغالها في بلدية المدينة ثم التحاقها بقسم المسؤولية في المستشفى الجامعي التابع لجامعة برنستون، ثم تجربتها في ميدان العمل الجمعوي وأخيرا دخولها إلى الأبيض كأول سيدة أولى سوداء اللون. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام القسم الأول خصص لمرحلة الطفولة والتكوين بعنوان أصبحت مشيل أوباما، القسم الثاني خصص للقائها بأوباما وتكوينها لأسرة بعنوان وأصبحتا نحن والقسم الأخير خصص، لتجربتها السياسية مع باراك وعنون ب «وأصبحنا أكبر".

مؤاخذات نقذية:

الكتاب يشبه صاحبته، فيه كثير من التحفظ، والقارئ، لا يحس بعد نهاية الكتاب كأن هناك الكثير من التساؤلات المعلقة. لا ندري هل السبب هو تحفظ الكاتبة خاصة أنه لم يمر وقت طويل على ترك البيت الأبيض وبالتالي الحفاظ على التحفظ الذي يرافق تولي المسؤولية، أو السبب راجع إلى الطبيعة النفسية للكاتبة التي تختلف عن باراك الذي سبق له أن كتب كتابا بعنوان أحلام من أبي حقق نجاحا كبيرا وتميز أسلوبه بالكثير من السلالة والتفاصيل، وهو المهارة الأدبية العالية لكاتبه مقارنة مع كتاب مشيل الموسوم ببروده الواضح وافتقاره إلى السلالة والمتعة، وكان القارئ يقرأ تقريرا صحفيا أكثر منه كتاب أدبي اذن فهو ينتمي إلى كتب السيرة الذاتية على الطريقة الصحفية وهو ما جعله ضعيف أدبيا مقارنة بسيرة باراك، كما يفتقر كذلك إلى مناطق الاسترخاء فالكاتبة ولا ندري هل هي التي تولت الكتابة أم شخص آخر، ركزت فقط على الإطار العام ولم تدخل في قلب التفاصيل العاطفية والاجتماعية لحياتها، وظلت مشدودة منذ البداية إلى المسار الذي قطعته وهو انعكاس لشخصيتها الصارمة والباردة التي سببت لها الكثير من المشاكل مع الجمهور الأمريكي خاصة لما صرحت أمام حشد من الناخبين بأنها أول مرة تفتخر بكونها أمريكية، فتم توظيف ذلك من طرف الإعلام الجمهوري لتوجيه الضربات لزوجها.

عموما الكتاب حققا نجاحا كبيرا، وفي قصة مختصرة عن مسار  حياة مشيل أوباما، ويمكن أن نخرج بخلاصة مفادها أن النجاح ممكن، رغم كل أنواع الإقصاء، وحينما يكون هذا النجاح رغم هذه العراقيل كحال آل أوباما فإنه يكون مستحقا مرتين، الأولى لأن الحياة لعبة علينا كسبها بالتضحية والكفاح وعدم الاستسلام، ثانيا لأن هذا النجاح جاء ضد الأسطورة العنصرية التي أقصت السود لمدة طويلة من النجاح في قلب دولة تدعي الحرية وعدم التمييز.

mardi 13 juillet 2021

ما هو سبب فشل الأحزاب السياسية في المغرب ؟

 


هناك شبه إجماع في المغرب على أن الأحزاب المغربية، لم تعد تلعب أي دور، أو بالأحرى القول بأنها فقدت مصداقيتها لدى الجماهير العريضة من المجتمع. لكن هناك مغالطة حول هذا التشخيص سنحاول الكشف عنها، وهو الصيغة التي يروج بها هذا التشخيص أي القول أنها لم تعد، فالصحيح أن المغرب لم يشهد في  تاريخه السياسي أي دور للأحزاب السياسية، بعد الاستقلال وقبله كانت هناك أحزاب كحزب الاستقلال أو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن هذه الأحزاب كانت عبارة عن حركة سياسية أكثر منها مؤسسات حزبية بالمعنى الحديث للكلمة، والدليل الدور الكبير الذي لعبته هذه الأحزاب في دائرة المعارضة، لكن كلما شارك حزب قوي في التسيير فإنه يفقد شعبيته وجماهيريته ويتحول إلى مجرد إطار للانتهازية والاسترزاق السياسي ومحاولة كسب منصب سياسي، أو حقيبة وزارية أو وظيفة في الدواوين أو وظيفة في القطاع العام أو تزكية انتخابية.  كأن الأمر شبيه بمحاولة مصارعة خصم قوي لا يقهر كلما صعد أحد المصارعين إلى الحلبة يكون مصيره معروفا منذ البداية لأنه لا يصعد إلى الحلبة، إلا  بنية الانهزام والاستسلام، أمام الخصم القوي، الخصم هنا بطبيعة الحال، هو المخزن، كي لا نقول الفاعل الملكي، لأن المؤسسة الملكية رغم مركزيتها في النظام السياسي المغربي، لكنها ليست الفاعل الوحيد في ما يسمى بالمخزن، ويمكن تعريف هذا الأخير بأنه البنية الحقيقية للسلطة السياسية في المغرب وتتكون في الغالب من فاعلين يظلون خارج الضوء لكن كل المشهد السياسي هم الذين يحركونه من خلف الكواليس، ونقصد بالخصوص، القصر  ، أي الملك وأعضاء ديوانه أي مستشاريه، ثم ثانيا النخبة الاقتصادية القوية ثم العائلات النافذة، ثم الشخصيات القوية في النظام كبعض جنرالات الجيش و  الشخصيات السامية. الأحزاب السياسية لما تصل إلى الحكومة هي مجرد كومبارس لا تدرك من يحرك الخيوط، لكن تكون مجبرة على اللعب وفق القواعد المرسومة والتي ليست أصلا مسجلة في الدستور ولا في القوانين التي يفترض بها أن تكون الإطار الواضح للممارسة السياسية، لكن تجد نفسها في دوامة السياسة بمعناها الميكيافيلي وليس بمعناها الليبرالي الحديث. فحتى بعد إعادة صياغة الدستور المغربي سنة 2011 لم يتغير شيء ذا بال، نعم لقد حدث تحول ما في المشهد، لكن الواقع الحقيقي ليس هو الواقع الموجود في الورق، مثلا تم تقوية رئاسة الحكومة دستوريا، لكن على مستوى الممارسة لم تترجم الأحزاب التي تولت مهمة قيادة الحكومة المنطوق الدستوري، فاستمرت الأمور كأن شيئا لم يقع، لأن هناك هوامش ونقط مبهمة في ممارسة السلطة في المغرب، بقدر ما هناك بنية تقليدية خارج النصوص القانونية التي تظل القوة الفاعلة الحقيقية في الحقل السياسي المغربي. وذلك تحصيل حاصل بطبيعة الحال، لأن النظام السياسي ترجمة للنظام الاجتماعي السائد، فلو تم مثلا تقوية الأحزاب وأخذت بزمام المبادرة كاملة فسيقع لا محالة خلل كبير في بنية النظام السياسي وستختل موازين القوى داخله وبالتالي المصير غير المعروف في مثل هكذا حالات. إذن السؤال الضمني الذي لا يطرحه المحللون هو : هل نحن أصلا في حاجة إلى أحزاب في المغرب ؟ وهل خيار التعددية الأحزاب أصلا مفيد بالمعنى السياسي في نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي مثل الموجود في المغرب أو دول العالم الثالث؟

أكيد أن تحليلا علميا موضوعيا سيخرج بنتائج لن ترضي " أدعياء الديموقراطية " كما لن ترضي " أدعياء الاستبداد السياسي". فنحن في السياسة نتحدث عن الفعالية أكثر من مشاعرنا الرومانسية. لذلك فبدون تشقيق الكلام خيار التعدد الحزبي غير صالح بالمعنى السياسي في واقع السياسة المغربية، لعدة اعتبارات أساسية.

أولا لأنه يبلقن المشهد السياسي ويشتت الأحزاب والتيارات في إطار أطياف متعددة ومتصارعة، المثال ما يقع داخل الأحزاب السياسية من صراعات حول الزعامة والمصالح الشخصية.

ثانيا عدم فعالية الأحزاب لأنها متشابهة وليس هناك ما يميز بعضها عن الآخر وبالتالي نفور الجماهير من الانخراط في العمليات الانتخابية لأنها تعتبر أن كل الأحزاب متشابهة.

ثالثا عدم وجود حزب سياسي بالمعنى الفلسفي للكلمة ونقصد تيار سياسي وإيديولوجي صاحب رؤية تاريخية سياسية اقتصادية اجتماعية للمجتمع قادر على طرح مشروع سياسي ذو أهاف استراتيجية قريبة وبعيدة المدى، دولة ومجتمعا وحضارة.

أخيرا اللاشعور السياسي للمجتمع المغربي لا تناسبه الحزبية بمعناها الحالي لأنه تربى لقرون على نمط قائم على القهر والاكراه وبالتالي لن يستطيع أن ينسجم بين عشية وضحاها في لعبة ديموقراطية قائمة على الصراع والمنافسة، التي هي مهمة في النظام الديموقراطي، لكنها معيبة في الأنظمة السياسية الهجينة أو السائرة في طريق التحول الديموقراطي، لأنها تنهك النخب والمجتمعات والمؤسسات في خصم صراعات سياسية في غياب تام للفعالية، النموذج تونس حاليا.

ومن خلال هذه النقطة الـأخيرة فالمخزن في المغرب يفهم جيدا هذا المعطى، وبالتالي هو في ورطة مزدوجة، من جهة لابد أن يعمل على إنهاك الأحزاب والتحكم في الخريطة الحزبية، لأن كل تقوية لها هو تهديد له وتهديد لاستقرار النظام بشكل عام. ومن جهة أخرى ليس من صالحه قتل الأحزاب السياسية لأن قتل السياسة هو فتح لباب العدمية، الحاصل أنه في إطار مسلسل للإنهاك طويل الأمد، وحينما يستمر هذا المسلسل فإن ما يتقوى هو قيم الاسترزاق السياسي و الترحال والمصالح الشخصية.

vendredi 4 juin 2021

المسار السياسي لنخب العالم الثالث: نموذج منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا

 

رئيسي حكومة المغرب السابقين: عبد الرحمان اليوسفي وعبد الإله بنكيران

في العالم الثالث تسلك النخب السياسية بالخصوص مسار واضحا للتحول من النقيض إلى النقيض، وسنأخذ على سبيل المثال الماركسيين والاسلاميين. وسنأخذ كنموذج المغرب وهو دولة من منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط، كان المغرب قبل استعماره من طرف فرنسا واسبانيا بلدا تقليديا خالصا، لان التقليد كان ميسم العالم القديم الذي عاشت فيه هذه المناطق قبل ولادة العالم الجديد ونزع السحر عن العالم، بفضل الحداثة. لكن مع دخول الاستعمار الذي رفضته هذه النخب من ناحية الإيديولوجية التي شرعن بها تدخله وهي الليبرالية، التي كانت النخب متوجسة منها ولو نادى بها البعض، لكن هذه النخب استفادت من تلك الحداثة التي وطنها الغرب وغير بها النسيج الاجتماعي لهذه البلدان. لا غرو إذن أن يكون العالم القديم الذي سبق الاستعمار ذو طابع تقليدي فحتى نخب تلك المرحلة كانت تقليدية في الغالب ذات منحى يركز على الدين والجماعة والشريعة. لذلك فكل تحول اجتماعي تكون نخبه مناسبة لعصره، بعد الاستعمار كان الماركسيون هم حملة المشروع الوطني الوحدوي العربي الاشتراكي، الذي سيقود التغيير ويقضي على "النظام الكومبرادوري "ويوطن الاشتراكية ويختفي استغلال الإنسان للإنسان، فكان هؤلاء يلقبون أنفسهم بالطليعة أي القادة الحاملين لمشعل " الثورة" والمؤطرين للجماهير. دخلت هذه النخب في صراع مرير ودموي مع النظام الملكي الذي يقوده الحسن الثاني آنذاك، في استنادهم إلى الوضع الاستراتيجي للعالم وحضور الاتحاد السوفياتي الذي شكل قوة دعمهم وسند لهم، ماذا سيحدث: فشل هذا المشروع الذريع، قبل حتى أن يسقط الاتحاد السوفياتي. إما النفي، أو اللجوء، أو القتل أحيانا. لكن مع سقوط جدار برلين أدركت هذه النخب أن مصلحتها هي أن تستفيد من حقها في الريع السياسي، لأن "الممانعة " ومحاولة البقاء في المعارضة والرغبة في الحفاظ على صفائها الايديولوجي، هو مقامرة ولن يعود عليها ذلك بأي مصلحة تذكر، فتم بذلك المصالحة مع العدو القديم ودخلت النخبة الماركسية في اللعبة السياسية في إطار ما سمي بمرحلة التناوب، لما شارك هؤلاء في الحكم – نقول مشاركة لأنهم لم يحصلوا على السلطة الفعلية التي بقيت بالفعل في أيدي القصر- فهمت هذه النخب أن تسيير الدولة يختلف جذريا عن طوبى الحصول عليها. فبدأت المخططات، وهنا بقدرة قادر ستتغير البوصلة السياسية لهذه النخب من النقيض إلى النقيض، ولا أدل على ذلك السياسات الليبرالية والنيو ليبرالية التي باشرتها وتطبيقها الحرفي لإملاءات البنك الدولي وخوصصة الكثير من القطاعات الحيوية. وبذلك بدأت هذه النخب من خلال احتكاكها بالمسؤولية والواقع، تتخلى تدريجيا عن خطابها الدعوي الايديولوجي وتفهم الواقع من موقع مختلف، لكن مكر التاريخ! فهذه النخب باشتغالها بهذا المنطق سقطت في تناقض رهيب مع خطابها القديم وبالتالي فقدت ثقة قواعدها وانتهت بالمعنى السياسي للكلمة. أما النخب الإسلامية فهذه شأنها أكثر سريالية، فهي بدورها تريد الحصول على السلطة لكن ليس بمنطق " التحليل الملموس للواقع الملموس" بل بمنطق" الحكم بما انزل الله" وهي طوبى أكثر تطرفا من الأولى، وبالتالي وظفت الكثير من رأسمالها النضالي في الطهرانية الأخلاقوية وغاب عنها المعطى الاقتصادي نهائيا. الذي حدث هو ان هذه الإيديولوجية كانت بالفعل قد صوبت الكثير من الخطاب الديني التقليدي الذي حمله السلفيون وظلوا أوفياء له ولم يتخلوا عن العنف الذي يعتبر جزءا مهما من الخطاب الديني، وحاولو بدورهم أن يحوزا على السلطة لكن بالعنف. التيار الاخواني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحين هذا التيار الفرصة حتى جاءت انتفاضات 2011 وكانوا هم أصحاب المشروع السياسي الذي استغل الظرفية وقفزوا مباشرة إلى قمرة القيادة دون أن تكون لهم أدنى فكرة عن الحكم وأمور الدولة انطلقوا من المساجد والنوادي الدينية رأسا نحو سدة الحكم، ما الذي وقع ؟ هنا تختلف الحالات ففي بعض الدول التي حصلوا فيها على السلطة التنفيذية بشكل شبه كلي حاولوا تغيير قواعد اللعبة منذ اليوم الأول، فأدوا ثمن تهورهم غاليا في مصر بالخصوص. في تونس وجدوا أمامهم تيارا مدنيا جد قوي، قبلوا باللعبة لأنهم أدركوا قواعدها بالإضافة إلى حصول نوع من التوازن بينهم وبين التيار المدني الذي استثمر فيه بورقيبة منذ الخمسينيات. في المغرب الذي يهمنا لم يستطيعوا اختراق ما يسمى في المغرب "المخزن "وهو الدولة العميقة التي تتكون من الملك ومحيطه والنخبة الاقتصادية القوية. ما الذي؟ وقع دخلوا بالفعل بتهور لكن البنية كانت عصية على الاختراق رغم كل المحاولات، فبدأت هذه النخب تستوعب الدروس ومع مرور الأيام تحولت من واقع طوباوي إلى إدراك الواقع الموضوعي. ما القاسم بين هاتين النخبتين؟ القاسم هو أن كلاهما صاحب إيديولوجيا انقلابية لم تنجح حاولوا تغيير البنى لم يهيمنوا على السلطة " تلبرلو Ils se libéralisaient " أي أصبحوا شيئا فشيئا يطبقون أجندات المؤسسات الدولية ويطبقون سياسات ليبرالية كالخوصصة وتشجيع الاستثمار والتخلي عن الوظيفة العمومية  والقبول أكثر بالحريات ، رغم أن ذلك كان من جملة هفواتهم السياسية حيث تورطوا في أكثر من قضية أخلاقية وانهارت صورتهم الطهرانية أمام قواعدهم.المستفاد من هذا الجرد هو المسار نحو الليبرالية كيف ترفضها النخب كطوبى وتتهافت عليها كممارسة كيف ناصبتها العداء لما كانت في المعارضة وكيف طبقتها بحذافيرها لما وصلت إلى سدة الحكم. تلكم إذن جزء من تحولات المشهد السياسي في العالم الثالث خلال نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الأولى.


تأملات شتوية

l'hiver ou Fagottage, de Jean-Baptiste Oudry,1749

من أشد فصول السنة قربا إلى نفسي، فصل الشتاء حيث السماء الملبدة بالغيوم وأفضل تلك السوداء منها المحملة بالأمطار الكثيفة ولما يضرب البرق محدثا شررا عائلتك يخترق لب السماء، يليه هزيم رعد يحرك الارجاء. ثم تبدأ الأمطار بالهطول رويدا رويدا وتبدد الغبار وتمسك وجه الارض الكئيبة. إنها سمفونية عظيمة تقوم بها الطبيعة ليس بجنون تغضب كما يخيل لذوي الأفهام المحدودة، ولكن كل شيء بالنظام والثبات إن فهمت هذا المنطق ملكت الكون والنفس والعالم. متى تضطرب النفوس لما لا تكون على انتظام ولا على نظام أنذاك تختلف النظرة فنبحث عن التوازن من جديد. حتى الكلمات التي أدبجها الآن ليست إلا وليدة تفاعلات جنة هي التي تمنحني القدرة على التعبير. مشاهد الشتاء دواء النفوس الكئيبة وراء الأراضي اليابسة الجرداء وتبديد للغَبش من على وجوه التعساء. لذلك أحب أجواء وانتظر ما سيلينا كما يقول المثل الفرنسي " بعد المطر يأتي الوقت الجميل" وهو يَقينا فصل الربيع حيث تينع البراري وتزدهر وتحدثنا الطبيعة بخيلاء عظيم عن نفسها. لذلك نحن البشر ما وانا في الطريق الصعب لنفهم الطبيعة قوانينها و نُظُمها، لكننا بالفعل قطعنا أشواطا عظيمة. من أولئك الذين أحَبوا الحرية وعشقوا المغامرة وفكروا بذكاء. أما بعض المحسوبين على الإنسانية فهم عالة على جسد العالم ليس إلا. وأنا أتحدث عن مشاهد المطر أتذكر أجدادي البدائيين وكيف كانوا ينبهرون امام الطبيعة ويجثون طالبين الرحمة من الآلهة. لأنهم لا يرون في المشهد غير البشاعة ولا يتوقعون غير الأسوء. فكانوا في هلع عظيم صنعوا به الرعب وجعلوا العالم رعبا وهلعا. في حين أنه جميل وفاتن. في أوقات الشتاء أحب الأركان المنزوية من البيت. وإن كانت المدفئة مشتعلة تطلق شررها فذلك عظيم وما أعظمه. وأنا أنصت لأنني الناي كما كنت أفعل في الصباح أو أشاهد فيلما في التلفاز أو أقرأ كتابا أو أنشغل بعمل ما. أو في كل الحالات أتأمل حالات نفسي وأسبح بذهني في الأفق الكوني. أنذاك أحس بكينونتي. أو أطلق العنان للحياة كي تدب في أوصال جسدي.

 

mardi 12 janvier 2021

الصحراء المغربية: الصورة الكاملة

 



نضع الطرف الأول من الجملة كالتالي، الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، ثم بعدها نقول: مقابل استئنافه للعلاقات الدبلوماسية المعلقة منذ 23 أكتوبر 2000، حينما أغلق المغرب مكتب الاتصال في الرباط ونفس الأمر في تل أبيب احتجاجا على القمع الذي تعرضت له الانتفاضة الفلسطينية الثانية. إذن دعونا نحلل المسألة بكل تعقل لأن التناول المتشنج والعاطفي رافق الحدث. لذلك فالمغرب تعامل مع هذه القضية بمنطق رابح رابح، وهو أول درس لمن يريد الخوض في السياسة. ثم إن العلاقات كانت قائمة بالفعل بين المغرب وإسرائيل كما هو الأمر بين إسرائيل وكل الدول العربية الأخرى وبالدرجة الأولى تلك التي تدفع بالمشروع الإخواني الفاشل، ونقصد تركيا وقطر، الدولة الوحيدة التي تعلن العداء لإسرائيل هي إيران، واللافت أنه رغم العداء الظاهري إلا أن هناك تعاونا استخباراتيا وتعاونا في بعض القضايا أحيانا. هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمغرب مادام يتصرف بمنطق المصلحة التي تميز القرار السياسي للدول وليس بمنطق العاطفة، إذن فلا أحد له الحق في لوم المملكة على قراراتها، ثم إن الشعب المغربي قد قبل الأمر ولم يعترض على ذلك، حتى القيادات الإخوانية التي كانت تشحذ الشارع بقضية فلسطين التزمت الصمت بل بدأت في تحضير المراسيم والإجراءات القانونية التي ستواكب هذا القرار السيادي ما داموا في موقع المسؤولية في الحكومة وفي البرلمان، اليسار  غير موجود ومشتت ومبعثر، خرجت مجموعة منهم للاحتجاج فتم تفريقهم في أقل من عشرة دقائق، العدل والإحسان صاحب الطوباوية الخمينية في المغرب اكتفت بإصدار بلاغ يتيم، أما الجمعيات ذات الخلفية اليسارية فبدورها أصدرت بضعة بيانات  لا ترقى إلى حجم وقوة الحدث التاريخي.  لكن هذه الأحداث الجزئية لما رافق هذا القرار، ومجرد الاكتفاء بتتبع الأخبار والتعليقات الصحفية المتناثرة لا يعطي الصورة الكاملة لما يحدث.

المغرب والاتجاه العام للتاريخ:

إسرائيل استطاعت أن تفرض نفسها بعد 72 سنة من الوجود على جميع الأصعدة والمستويات وكل دول العالم تعترف بها، ولها معها علاقات ديبلوماسية عادية، العرب في وقت ما من تاريخهم جعلوا القضية الفلسطينية قضيتهم، باسم العروبة تارة وباسم الإسلام تارة أخرى، فتجندوا لاقتلاعهما ورميها في البحر، كذا !  لكن مع الوقت فرضت هذه الدولة الفتية نفسها وهزمت العرب في 1967 هزيمة نكراء ساهمت في تشتتهم أكثر  كما انهزموا سنة 1973 كذلك وقدموا تنازلات ودفعتهم إسرائيل للتفاوض، لذلك لم ينجح هؤلاء القوميون المتعصبون في اقتلاع إسرائيل كما كانوا يحلمون، لقد انتهت الأيديولوجية العروبية الاشتراكية التي كانوا يتقاتلون من أجلها، والصراع كله كان مؤطرا بهذا الجو العام، أما محاربة إسرائيل باسم الدين فهو كذلك مصيبة أخرى تنضاف للإيديولوجية القومجية التي باءت بالفشل رغم أن الأيديولوجية الإسلاموية بشقيه السلفي والإخواني لم يكن لها نفس قوة الإيديولوجيا العروبية الاشتراكية. المغرب أنذاك في ذلك  الجو كان يغرد خارج سرب هذه الإيديولوجيات الطوباوية باختياره الحوار مع إسرائيل خاصة بفتحه لعلاقات مع إسرائيل واستدعائه لشيمون بيريز 1985 لزيارة المغرب، لكن ذلك القرار لم يعجب العساكر القومجيين فتوحدوا للقضاء عليه لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، إذن المغرب ليس في موقف إحراج من إرجاع علاقته مع دولة ديموقراطية هي إسرائيل مادام لم يكن يمني النفس في رمي إسرائيل في البحر، ولا بتأسيس جمهورية قومية عروبية اشتراكية في المغرب، الحسن الثاني كانت له رؤية سواء للمغرب أو للعالم العربي، وهو نفس الأمر للملك الحالي محمد السادس، إذن الحركة العامة للتاريخ كلها تذهب في اتجاه المشروع الغربي بقيادة أمريكا التي انتصرت بالفعل وتم القضاء على الإرهاب السوفياتي بسقوط جدار برلين، لكن بعض بقايا اليسار الستاليني لم تفهم ما حدث، الجزائر مثلا اليوم مازالت أحقاد الحرب الباردة تضرب بغشاوتها على عيون الجنرالات الذين يحكمونها، لهذا عدائهم وحقدهم على المغرب، ودعمهم لجماعة انفصالية تحمل نفس الطوباوية بإقامة دويلة عروبية اشتراكية على أرض أمازيغية.

الأهم كذلك في مسألة اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه هو أن القرار أخذ الوقت الكافي لينضج، وبالتالي تهاوي الإيديولوجية الانفصالية وتهافتها. وليس قرارا متسرعا اتخذ على عجل كما هو الأمر مع الكثير من القرارات التي كانت متهورة وغير ناضجة وهي الاستراتيجية التي تشتغل بها الدبلوماسية المغربية منذ أمد بعيد، فحتى استرجاع الأراضي الصحراوية أخذ وقتا وتم استفتاء الأمم المتحدة حول المسألة ولما أثبتت أنه كانت هناك روابط بيعة بين الصحراء و"الإمبراطورية الشريفة" عبر التاريخ، سارع الملك الحسن الثاني لتنظيم المسيرة الخضراء التي تخلصت من الاستعمار الاسباني لتلك الأراضي وبالتالي بداية الاعمار الحقيقي لهذه الجغرافيا.

في أصول نزاع الصحراء:

هذا النزاع المفتعل مازال قائما وشد الحبل هو بين المغرب من جهة والجزائر من جهة ثانية، فالمغرب بحكم الجغرافيا تعتبر الصحراء الأطلسية امتدادا طبيعيا له. عكس مثلا الأراضي الشائعة في الجارة الشرقية، التي كانت فرنسا وبحكم إيمانها بأنها صنعت دولة فرنسية في افريقيا، اقتطعت آلاف الهكتارات من المغرب غربا وتونس شرقيا ومالي جنوبا. أراضي شاسعة جدا. وقد فقد المغرب مثلا الكثير من أراضيه لأنه ناصر في البداية مقاومة المستعمر الفرنسي ورحب بالمجاهدين الجزائريين وعلى رأسهم الأمير عبد القادر، الذي لولا إصرار المغرب على مناصرته والترحيب به نصرة القضايا " المسلمين" ضد "الاستعمار الغاشم" لما تجرأت فرنسا على التحرش بالمغرب واقتطاف أجزاء واسعة من أراضيه في معاهدة لالا مغنية ثم استعماره فيما بعد وفتح شهية المستعمرين الآخرين لاحتلاله هي نتيجة القرار المغربي لمناصرة إخوته. ومن تلك الأراضي الصحراء الشرقية التي ترامت عليها فرنسا. ولما خرجت فرنسا من الجزائر وتغنت جبهة التحرير بانتصارها على الاستعمار لم تقم بالرجوع إلى حدودها الأصلية الموجودة قبل الاستعمار، لأنها في الظاهر تسب ملة الاستعمار وفي نفس الوقت ترفل في غِلته. هذا إن سلمنا جدلا بوجود دولة تسمى الجزائر قبل دخول فرنسا. لأنه والتاريخ هو من يؤكد ذلك لم تكن هناك دولة بهذا الاسم الاستعمار الفرنسي، لم يحتل الجزائر بل احتل أراضي الإمبراطورية العثمانية التي نصبت باياتها في الجزائر وتونس وليبيا. ولم تستطع تجاوز حدود الإمبراطورية المغربية. وهذه من الأزمات التاريخية المزمنة التي يعاني منها جنرالات جبهة التحرير الذين فقدوا كل المبررات لوجودهم في السلطة. لذلك بمنطق هؤلاء الذين يعتبرون قضية الصحراء المغربية "تصفية استعمار". لابد من إرجاع الأراضي التي اقتطفت من تونس ومالي والمغرب إلى أصحابها أولا قبل أن تتشدق بأسطوانة تصفية الاستعمار. وأن يتم إعادة رسم الخرائط من جديد. هذا من جهة ومن أخرى ومن خلال تحليل نفسي للاشعور السياسي لجنرالات الجزائر نجد هذه الأزمات النفسية تستوطن حيزا ضخما من لا وعيهم. وهو الأمر الذي يفسر سعارهم الشديد تجاه المغرب. وحول التاريخ دائما فإن الجزائر جنرالات وشعبا تحس بنوع من الحنين الرومانسي للملكية. بل إن هناك من يعتبر أن ملك المغرب يحكم رمزيا كلا البلدين ولا أدل على ذلك أن الكثير من السلالات الملكية التي حكمت المغرب. كان المغرب الأوسط وهو الاسم التاريخي للجزائر. تحت قيادتها مثل الأدارسة والمرابطين والموحدين. وكانت تلمسان مثلا مدينة تحت نفوذ الإمبراطورية المغربية.

إذن هذا القرار ليس إلا خطوة صغيرة من النظرة التي تسير بها الدولة المغربية نحو مستقبلها، ومستقبل المنطقة ومستقبل العالم. وذلك كله راجع بالأساس إلى عوامل أهمها موت الإيديولوجيا التي قامت عليها الدولة الجزائرية الحديثة، ثم انتصار منطق المصالح الاقتصادية والتكتلات الإقليمية على منطق الحروب والصراعات والتفرقة التي هي ديدن المتسلطين على رقاب الجزائر، وأخيرا التاريخ يقول كلمته ولا ينتصر إلا المنطق السليم والواقعي، أما السعار والغضب والأحقاد فتذهب جفاء.

vendredi 8 janvier 2021

ماذا بعد اقتحام مقر الكونغرس الأمريكي ؟

 


ما وقع يوم 7 يناير 2021 ليس بالأمر غير المتوقع. منذ أن صعد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، كان الأمر بمثابة كابوس للأوساط الأمريكية المتشبعة بالقيم الأمريكية. وقد تابعت سنة 2017 باهتمام بالغ خطاب الوداع الذي ألقاه باراك أوباما في شيكاغو، وكان منصبا بالأساس على مستقبل الديموقراطية في أمريكا. وهو الرئيس المثقف والذي يعرف جيدا معنى السياسة، وذلك راجع إلى امتلاكه للحس التاريخي. " المعتوه" ترامب، لا يملك تلك الخصائص، يقدم نفسه على أنه رجل ناجح وثري وذكي، لكن الحقيقة أنه على النقيض من كل ذلك، فمن عالم العقارات والتلفزيون، إلى دفة قيادة العالم. لقد كان المشهد سرياليا بكل معنى الكلمة، وهو يشبه صعود الفاشية في أوروبا خلال بداية القرن الماضي، من كان يتبع ما حصل في ألمانيا لما صعد هتلر عبر الصناديق، سيدرك الشبه الكبير بين الحدثين، الخصائص الشخصية للرجل البرتقالي تشبه تماما خصائص الفاشيين الذين أشعلوا الحرب العظمى. هتلر وصل إلى السلطة عبر الصناديق، نفس الأمر مع ترامب. وهذه الظاهرة مثيرة للاهتمام لأنها من أشد عيوب الديموقراطية، كنظام للحكم. حيث أن الديموقراطية تعطي الفرصة للمعتوهين والحمقى والمتطرفين ليقرروا في مصير الأذكياء. الجمهور الأمريكي أعجب بالشو   SHOWالذي كان يصنعه ترمب منذ الثمانينات. ولما حان دوره غاب العقل عن الجماهير فصوتوا لصالحه. ثم إن نظام المجمع الانتخابي، أسقط كل الأصوات التي منحت الأغلبية الديموقراطية لهيلاري كلنتون، وتم ضربت في صميم الديموقراطية انتخاب شخص غير مسؤول. فكان الضرر عظيما جدا على أمريكا نظاما وقيما ومجتمعا وبالأخص رمزا للحرية وسيادة القانون. ورغم فشل ترمب في كل المهمات التي وضع يده عليها لكن نجاحه الأبرز هو ضرب الديموقراطية في صميمها، وتقسيم المجتمع الأمريكي. وزعزعة صورة أمريكا في العالم التي ساهمت كل الحكومات الجمهورية في تلطيخ صورتها. فكان الديموقراطيون ينتخبون لإصلاح ما أفسده الجمهوريين. أوباما جاء ليخرج أمريكا من أزمة مالية عالمية ويرتب خريطة التدخلات الخارجية لأمريكا حارسة الديموقراطية. نجح في المهمة وكان على قدر كبير من الكياسة والمسؤولية. رغم الأخطاء التي ارتكبها. لكن صاحب التسريحة البرتقالية والمواقف المثيرة للضحك والاشمئزاز. قام بضجة هائلة كطفل هائج. وكل تاريخه الشخصي المليء بالفضائح والعنف. كان من بين الأسباب النفسية والسلوكية التي كانت توجه نظرته لنفسه وللعالم. وللنظر إلى ما أنجزه منذ أن أخذ دفة الحكم النتيجة صفر. انسحاب من العالم وترك الاعداء المتربصين يسجلون النقاط ويتمددون في الفراغ الاستراتيجي الذي تركه هذا الانسحاب، كأن هذا الشخص لم يقرأ ولو ورقة عن المفاهيم الاستراتيجية التي تحرك الدولة الأمريكية، نشر العنصرية وبث الكراهية عبر ربوع العالم وفي الداخل الأمريكي بالخصوص، التخلي عن المعاهدات الدولية، وعن الحلفاء الاستراتيجيين، محاولة صناعة شو سياسي من خلال القيام ببعض المبادرات كالتودد الوضيع لدكتاتور كوريا الشمالية الذي لا يخفي ترمب إعجابه به، إذلال أمريكا عبر التودد لبوتين. على مستوى تدبير أزمة كورونا كانت النتائج كارثية بكل معنى الكلمة. تصرفات بهلوانية في كل القمم التي حضرها. لكن الأتباع المتشددين لا يزدادون إلا هتافات باسم زعيمهم كأتباع متعطشين لمزيد من الحماقات. لكن الدراما التاريخية هي تلك التي حاول هذا الشخص جر أمريكا إليها وهي التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية، المماطلة المضحكة لإثبات عكس ما يقوله الواقع. وفي النهاية الفوضوية والعدمية وضرب الديموقراطية في الصميم. فكان العنوان هو إما تُلبوا طلبات الطفل الجامع أو أحرق أمريكا كما فعل نيرون لروما. هذا ما فعله هذا الشخص. هل أمريكيا مأزومة ؟ لماذا نجح واحد بهذه المواصفات؟ أهو مكر التاريخ ؟ في أوقات الأزمات يظهر مثل هؤلاء في مسرح التاريخ ليصبوا الزيت في النار ويشعلوا النيران ويبثوا الاضطراب والانقسام ؟ لأن التاريخ  كما يقول هيجل ؟ لا يتحول إلا في أوقات الحروب والأزمات؟ فمن يشعل تلك الحروب ويثيرها ؟ الحكماء ؟ بالطبع لا! القادة المحنكون! أبدا لا! من إذن؟ المجانين بجنون العظمة! المرضى والمضطربون سلوكيا ! هذا الرجل البرتقالي يمتلك كل تلك الخصائص. نعم لقد نجح بالفعل في بث الانقسام في الدولة والمجتمع. وفتح الجراح القديمة التي كادت تندمل. لقد قسم أمريكا ؟ وضرب صورة أمريكا في مقتل. هل تستعيد أمريكا عظمتها كما كان يدعي؟ شعاره يحمل حقيقته. فالقول بأن أمريكا ليست عظيمة ولابد أن تسترجع عظمتها، هو غباء سياسي.أمريكا قوية بالفعل بل من الأولى أن تبقى عظيمة. ولكن ما قام به هو جعل أمريكا مضطربة من جديد. لقد خلق أجواء الحرب الأهلية بكل تفاصيلها. هل يستطيع بايدن ترميم ما خربه العجوز الأحمق. لا أظن ذلك لأن الخسائر هائلة. لكن نتمنى أن تعود الأمور إلى عهدها لأننا نؤمن بأمريكا كَقيم. ولابد أن تستمر تلك القيم .

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...