samedi 3 octobre 2020

بطاقة الهوية الإنسانية

 

 

إن ما يميز الفكر الفلسفي عموما هو مطالبته إعطاء القيمة للإنسان كوجود مستقل وماهية منفردة فالحرية التي يدعو إليها الفكر الوجودي ليست سوى نموذج عن هذه الدعوة إلى جعل الفرد أولوية، ولابد هنا إلى الإشارة إلى أن الحرية مقترنة بالضرورة وملازمة لمفهوم يمثل لب كل فلسفة وجودية خاصة السارترية وهو مفهوم الالتزام. ولا داع هنا للتفصيل في الفلسفة الوجودية او غيرها لأن الكلام هنا ليس حول فلسفة بعينها بل هو مفهوم يشمل فقط " الإنسان" بغض النظر عن الإطار الذي من خلاله نقاربه. إن الكسموبوليتية التي تدعوا إلى تشكيل مجتمع تنمحي فيه الحدود الجغرافية وتشتت فيه الحواجز الإثنية والثقافية التي تفصل بين البشر أكثر مما توحدهم ، تعتبر نظرة ترسندنتالية ومتعالية للوجود الاجتماعي في نظر البعض؛ لكن الواقع أن هذه الدعوة التي تبناها كثير من الفلاسفة خاصة عرابها الأكبر إيمانويل كانط وقبل ذلك  ظهور النزعة الإنسانية منذ عصر النهضة الأوروبي الذي كانت الدعوة فيه حول إحياء الموروث اليوناني الذي كان يدعو إلى إعطاء القيمة للإنسان وتحريره وجعله مركز الاهتمام، فقد كانت هذه الدعوة بمثابة ثورة ثقافية حقيقية تم فيها التأكيد على مكتسبات إنسانية جديرة بالتنويه فأن يرفع شعار الإنسان وتحريره في ظل الإقطاع والقمع الكنسي يعد ثورة بمفهومها الحقيقي. كما استمرت هذه النزعة في الوجود إلى أن ظهرت بشكلها الأكثر تجليا في مؤلفات مفكري عصر الأنوار عشية الثورة الفرنسية اولئك الذين رفعوا شعار الحرية والمساواة والإخاء، وأعلنوا حاجة البشرية إلى الرفاهية وضمان السعادة. كما سنجد أصداء هذه الدعوة التي بقيت مستمرة إلى حد الساعة في الفلسفة الألمانية الكلاسيكية مع كانط وفيورباخ ثم في الكتابات الأولى للمادية التاريخية. فالأنسنة وما لحقها من تطور وتقدم علمي وتشجيع للفردية، وما أفرزه ذلك من فهم جديد للكون الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى الحداثة كما نعيشها في أوج فتراتها، مرتبطة إذن بالمفهوم الذي وضعناه آنفا وهو مفهوم الكوسموبولتية الذي يمكن صياغة تعريفه الوجيز في عبارة سقراط: "ليس بلدي أثينا بل العالم "وهذا معناه أن الهم الفلسفي والفكري الأصيل هو الدعوة إلى الإنسان كغاية الغايات كما يسميه كانط. وليس الاقتصار فقط على التقسيمات الفئوية التي تجزأ هذا الوجود الكلي الذي يجمع كل البشر. ولعل النظرة ستتجلى أكثر إن تذكرنا ولو لوهلة أننا نعيش فوق حبة رمل صغيرة في صحراء الكون الفسيحة حينها سنحس بأهمية هذه الدعوة وأحقيتها.والدعوة هذه يمكن أن تتحقق حاليا في ظل المجتمع المعولم الذي تنمحي فيه الحدود الجغرافية، مجتمع التكنولوجيا الرقمية والمواصلات وتقريب المسافات. لكن العولمة وإن قربت المسافات بفضل التقنية فإن الهدف الذي جعلته وتجعله أمامها هو هدف اقتصادي محض لا يرقى إلى مستوى الغاية الإنسانية وهو ما يسمى في لغة الاقتصاد بالاقتصاد المعولم، وهو اقتصاد بالضرورة تحكمه الرساميل والأموال والأرصدة في إطار النظام الرأسمالي المتوحش الذي عمق التفاوتات في اقتسام ثروات العالم. وهذا بالضرورة مناف للدعوة النبيلة التي تدعوا إليها الفلسفة وهي تحرير البشر وتحقيق سعادتهم.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...