dimanche 4 octobre 2020

التلميذ مستفهما:هل نصدق أستاذ الفلسفة أم نصدق أستاذ التربية الإسلامية ؟

 



سؤال عجيب!  لكن أغلبية تلاميذ الثانوية العامة في المغرب أو في البلدان " الإسلامية" التي تدرس الفلسفة يطرحون هذا السؤال. يطرحونه بصدق وعفوية. ورغم تلك العفوية إلا أن المنظومة التي جعلت هذا الأمر مطروحا. وهي منظومة المجتمع الذي يعيشون فيه. فهم ينتمون حضاريا إلى " الأمة" وهو من أخطر المفاهيم التي تأسس عليها الفقه السياسي الإسلامي. فالمسلم لا ينظر إلى نفسه كمواطن دولة أو فرد في مجتمع أو حتى مواطنا عالميا. ومن ناحية نفسية يستدمج بطرق لا واعية وأحيانا واعية كونه عبدا لله وكائنا إيمانيا لا اجتماعيا. بمعنى أن المسلم ورغم أنه فرد في الدولة الوطنية إلا أنه ينظر إليها دائما على أنها صنيعة الاستعمار فالدولة الوطنية في نظره هي دولة كافرة ومرتدة كما ينظر لذلك السلفيون المتطرفون. لكن في الواقع الانسان فرد في دولة ويحمل رقم بطاقة وطنية، لا بطاقة هوية دينية. ومادامت الدولة في حاجة إلى تأسيس شرعيتها، فهي لا تتخلى عن الأشياء الأثيرة على قلوب مواطنيها وهو شعورهم الديني وإيمانهم الأخروي الجماعي لو كان فرديا لكان الأمر مختلفا. لكن مادام جماعيا فهو مشترك بين الجميع وبالتالي فهو خطاب إيديولوجي لا خطاب إيماني. لذلك فلا يمكن للدول الوطنية الناشئة حديثا أن تتخلى عن الديني في علاقتها بمواطنيها، لأن الدولة ما هي في نهاية المطاف؟ هي جهاز لضبط الحشود الهائلة من الناس وتنظيمهم. وتلك الحشود تعد بالملايين وقوتها العددية تفوق قوة وسلطة الدولة وقد يعترض البعض بالقول بأن الدولة هي التي تصنع المجتمع! قد نتفق، لكن في حالتنا الدولة الإسلامية صنعت مجتمعا إسلاميا. إيديولوجية دولة الخلافة السلطانية كانت هي الإسلام السياسي كما نظر له الفقهاء. وقد استمرت الشرعية الدينية ألف وأربعمائة سنة، ونحن هنا لا ننفي أهمية العوامل الأخرى مثل العصبية والقبلية والمصالح الاقتصادية في قيام وصعود السلالات الحاكمة وأفولها في عهد دولة الخلافة لكن الشرعية الدينية كانت قائمة دائما وأبدا. لذلك فالأيديولوجيا التي تم توظيفها دائما ودجنت بها الحشود الهائلة استمرت إلى حدود الصدمة الحداثية الاستعمار. فاستيقظ من استيقظ وبقيت الأغلبية نائمة ومدجنة ، بسبب الفقر والأمية وغيرها من المصائب.هذا الاستطراد لابد منه بالتأكيد لوضع المسألة في سياقاتها، لأن فصل مشكلة المدرسة عن مشكلة المجتمع. وكذا فصل مشكلة المجتمع عن مشكلة الدولة وكذا فصل مشكلة الدولة عن تناقضات الثقافة، لن يؤدي إلى أي فهم اللهم نظرة تجزيئية واختزالية. لذلك فحينما يطرح التلميذ سؤال: من يجب تصديقه؟ هو نتيجة عدة عوامل. أولا نتيجة سطوة عقلية الشيخ والمريد لدى المتعلم، فهو ينظر إلى نفسه على أنه تابع ومصدق لما يقوله الأستاذ، لأن البنية التي أنتجته هي بنية قائمة على السمع والطاعة، وليست بنية تربي الإنسان على الفهم والنقاش والتفكير النقدي. لذلك فالتلميذ ليس إلا سيرورة انطلقت من الأسرة ثم الشارع ثم الإعلام وأخيرا وصلت إلى المدرسة. فالمدرسة ليست لها القدرة السحرية على تربية التلميذ لوحدها، قد تعلمه لكن تربيته موزعة بين مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة. العامل الأخر هو اقتصادي بالأساس فليس هناك تلميذ بالمعنى الكوني بل هناك تلاميذ متعددون فكل له ظروفه الخاصة به. فالتلميذ الذي ينتمي إلى طبقة اجتماعية أعلى ليس هو التلميذ المنحدر من أوساط فقيرة وبئيسة. فتلك عوامل مهمة وحاسمة في رؤية التلميذ لذاته وللآخر. ثم أخيرا العامل الثقافي هو المهم بالنسبة لنا. وهو الذي يعكس التمزق الخطير في شريان المجتمع. بين العالم الحديث وقيمه والعالم القديم وقيمه. المدرسة هي ترجمة صغيرة لما يحدث في المجتمع فتمزق برامجها بين تربية منفتحة على العالم وتربية منغلقة حد التعصب. هو السبب في وجود مادتين وبرنامجين وأستاذين ورؤيتين. الصراع المزمن الموجود أصلا في المجتمع وكافة هياكله لكنه في المدرسة يتأسس معرفيا. وستدمجه التلميذ كمعرفة مكتسبة. وبالتالي فهو يعيش تلك الأزمة المتعلقة بملاحظته لذلك التناقض بين مادة التربية الإسلامية والفلسفة. لكن يتجاوز التناقض الظاهري إما باتباع قيم الفلسفة وهي الانفتاح والكونية أو قد يرفض قيمها ويتبنى قيم التربية الإسلامية -غير المتوافقة مع العصر أي تلك التي ينطلق الأستاذ من قناعاته الإيديولوجية فيمررها للتلميذ-  فيتشرنق أكثر في دائرة التقاليد أو أنه يستدمج التناقض في عقله ويصبح بنية فكرية ينظر بها إلى العالم أي يضع رجلا هنا ورجلا هناك رجلا في الكونية ورجلا في الخصوصية. فيتمزق قيميا وأخلاقيا ونفسيا واجتماعيا ولا عجب إن تحول إلى مجرم غير آدمي مستقبلا كما حللت في إحدى مقالاتي السابقة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...