dimanche 4 octobre 2020

قضية فلسطين بين العقل والأهواء


من بين القضايا الخلافية المثيرة في الشرق الأوسط، قضية فلسطين. التي كانت من نتائج الصراعات السياسية الكبرى في القرن العشرين، التي رسمت النظام الدولي ووضعت أمريكا كقوة عظمى. لكن أمريكا لا دخل لها في قضية فلسطين، لأن قضية فلسطين كانت في إطار تحولات تاريخية بدأت في القرن التاسع عشر تحديدا. وكانت نتيجة التنافس الاستعماري بين الدول الأوروبية الصناعية خاصة فرنسا وبريطانيا. اللتان كانتا تنافسان الإمبراطورية العثمانية.  " رجل أوروبا المريض" والتي كانت تستعمر أجزاء واسعة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا.وبالتالي مع تمدد القوى الأوروبية وتعطشها الشديد للتوسع والبحث عن الاسواق وعن المواد الأولية، اكتسحت أجزاء كبيرة من العالم نتيجة موازين قوى دقيقة وحتمية تاريخية أكيدة، لا دخل للعواطف الهوجاء فيها ولا المشاعر القومية والدينية والتاريخية فيها. وكان بلفور وزير خارجية بريطانيا وأمام هجرة يهود أوروبا الشرقية نحو أوروبا الغربية، وجد أن الحل المناسب للتخلص منهم، هو إرسالهم إلى الإمبراطورية العثمانية، وهنا لابد من الملاحظة أنه لا وجود لشيء اسمه فلسطين. كان هناك استعمار عثماني لتلك المنطقة، وقد تم اقتراح مسألة بيع جزء من تلك المنطقة لليهود على   عبد الحميد الثاني فكان رفضه رفضا قاطعا، مليئا بالحماس والمشاعر ولم ينتبه إلى أن كل موازين القوة لم تكن في صالحه. وكانت الحركة الصهيونية آنذاك تفكر كذلك في إثيوبيا لكن مجيء وعد بلفور حسم الأمر، وأعطى الوعد للحركة الصهيونية بجعل فلسطين أو أجزاء منها لجعلها وطنا قوميا لهم بشرط أن يساعدوه في حرب بريطانيا ضد دول المحور في الحرب العالمية الأولى وهو ما تم بالفعل. وبالتالي فقد بدأت عملية التهجير نحو الأراضي  الجديدة وكان الفلسطينيون يبيعون الأرض، أمام الإغراءات الكبيرة للحركة الصهيونية، زيادة على ذلك كان الفلسطينيون قد ضاقوا درعا بالانتداب البريطاني، وقبل ذلك كانوا مستعمرين من قبل الأتراك منذ القرن الخامس عشر، وقد ضاقوا به ذرعا، أمام التمييز الذي كانوا يحسون به وقبل ذلك فقد خضعوا لاستعمار الكرد  بزعامة صلاح الدين  الأيوبي وكذلك كانت القدس محل صراع بين المسلمين والمسيحيين، الذين اعتبروا بدورهم أن فلسطين ارضهم المقدسة، وفي سبيلها خاصوا حملات صليبية مدة طويلة من الزمن. وقبل ذلك تم استعمارهم من طرف الفاطميين والعباسيين والأمويون، وقبلها كانوا تحت نير الاستعمار البيزنطي وقبلها كانوا مستعمرة فترة من قبل الفرس والمصريين. وبالعودة إلى ما قبل ذلك التاريخ فكل شعب فوق هذه البسيطة عاش تجربة الاستعمار إما مستعمِرا أو مستعْمرا. والخطأ الكبير الذي يرتكبه بعد الأدعياء هو ربطهم الاستعمار بفرنسا وإنجلترا والقوى الأوروبية الأخرى. ولا ينظرون للمسألة في شموليتها من كان مستعمرا الأمس فسيأتي يوم يتم استعماره. وهذه سنة التاريخ. فالعرب لما ظهر عندهم الاسلام كإيديولوجية للغزو لم يتوانوا لحظة في استعمار الشعوب والحضارات التي كانت تحت رحمتهم فقد استعمروا الامبراطورية الفارسية، واستعمروا الإمبراطورية البيزنطية التي كانت القدس جزءا من أراضيها، ونفس الكلام كان يقوله فلسطينيو بيزنطة آنذاك فقد كانوا يرفضون الاستعمار العربي الاسلامي لأنهم كانوا مسيحيين متدينين وما مسيحيو فلسطين اليوم غير المسيحيين الذين رفضوا الدخول في الاسلام الذي فرضه الاستعمار العروبي الاسلامي خلال القرن الأول والثاني الهجريين. فعاشوا بذلك تحت نير ذلك الاستعمار كذميين أي مواطنين من الدرجة الثانية. وذلك كي لا ينصهروا في ثقافة الوافد الجديد واليهود بدورهم الذين يدعون أنهم أحق بالقدس لا ينطلقون من فراغ وإنما في ذاكرتهم تملأ القدس حيزا كبيرا من وجدانهم التاريخي ولا أدل على ذلك مما يقوم به غلاة الصهاينة ونحن لا نزكي تطرفهم ولكن إنما ندعوا إلى إعمال النظر العقلي والتسلح بالحس التاريخي لفهم المشكلة في سياقاتها وتفاد النظرة التجزيئية الضيقة. إذن الاستعمار هو حركة تاريخية ممتدة منذ فجر التاريخ بل أستطيع القول بأنه قانون تاريخي أو حتى طبيعي فكل ثقافة أو كيان سياسي لما يراكم فائضا من القوة إلا ويسعى إلى التمدد خارج نطاقه الجغرافي. لكن أشد أنواع الاستعمار هو حينما لا يكتفي باستعمار الأرض بل إنه يسعى إلى استعمار العقول أي اقتلاع الشعوب المستعمرة من ثقافتها وهويتها وإدماجها في منظومته الخاصة. وهو ما قام به العرب مثلا الذين يدعون اليوم المظلومية: ألم يكونوا بالأمس غزاة ومستعمرين أتوا على أجزاء واسعة من الأراضي والثقافات. واستغلوها وأدمجوها في إمبراطورية حكمت بالنار والحديد. لكن قد يعترض البعض بالقول بأن ما قام به العرب لم يكن استعمارا بل كان فتحا. أي أن الشعوب والامبراطوريات والثقافات التي كانت في تلك اللحظة عاشت في الجاهلية وبالتالي جاء العرب وخلصوها من جاهليتها، ولابد من الانتباه إلى أن هذه العقلية مازالت سائدة حتى بين العرب اليوم، فالعرب الأقحاح أي سكان الجزيرة العربية يدعون أصالتهم العرقية. ويعتبرون أنفسهم من درجة أعلى لأنهم من دم النبي وقبيلته. وما خروج بعد مرتزقة الإعلام لسب الفلسطينيين ونعتهم ب "شتات الرومان" إلا تعبيرا خالصا عن الحقيقة العميقة التي يكنها الكثير من " الأعراب" عن أنفسهم وعن الآخرين. فالدفاع اليوم عن فلسطين باسم العروبة هو من أشد الأخطاء التي ارتكبها من أراد الدفاع عن قضية عادلة بوسائل ظالمة فأن تناصر الفلسطينيين تارة باسم الإسلام وتارة باسم العروبة فقد قضيت على قضية إنسانية عادلة باسم قضية او إيديولوجية فاسدة. وهذا الصراع الايديولوجي بين الفصائل الفلسطينية كفتح العروبية وحماس الإخوانية. أو بين الدول " العربية" الملكية منها والجمهورية. ينعكس سلبا على حق الشعب الفلسطيني الذي لا ندع أنه لا يستحق أن يتمتع بخصوصيته الفلسطينية وتسوية وضعيته إنسانيا لا دينيا ولا عرقيا. من هنا نصل إلى لب القضية كلها. وهو أن الفلسطينيين وصلوا إلى مرحلة حاسمة في صراعهم مع إسرائيل وعليهم أن يغيروا من استراتيجيتهم النضالية ويعرفوا بالدرجة الأولى أن قضيتهم هي قضية بينهم وبين إسرائيل لا بين" الأمة العربية" وإسرائيل. لأن الأمة العربية هي مجرد كلمة فارغة. فالواقع يقول شيئا آخر. ما معناه أن هناك دول وطنية كل منها تسعى إلى مصالحها وليست هناك مصلحة بالمطلق تجمع بين هذه الدول فحتى الوحدة الثقافية التي يدعمها البعض ليست قائمة بل هي مجرد كلمات في الهواء. لأن شمال افريقيا والشرق الاوسط ليسا عربيين. هناك سريان وأكراد وأمازيغ وأقباط وغيرهم وليس هناك عرب خالصين. فحتى الفلسطينيين هم سريان في الأصل وليسوا عربا ولا أدل على ذلك أن سريان فلسطين ودروزها يتمتعون بمواطنة كاملة في دولة إسرائيل ولا أحد يشتكي منهم وربما لأنهم يعلمون ن مصلحتهم في دولة مزدهرة وديموقراطية ومنفتحة على العالم ولو كانت يهودية أكثر من دولة فاشلة ومنقسمة على نفسها ومتخلفة ولو كانت عربية. إذن السبيل لخلاص الشعب الفلسطيني هو أن يزن قضيته بميزان المصلحة لا بميزان الدين والعقيدة والعرق. عليه أن يعرف أن الأفق التاريخي يتجه نحو اسرائيل وما اعتراف بعض الدول بها مثل الإمارات والبحرين إلا إدراك لهذه المسألة وليست خيانة او انتقام كما يدعي بعض " الإخوان " و " الرفاق". إذن ما الحل قد يقول قائل: الحل هو المصلحة لأن في السياسة المصلحة هي الأولى وليس العقيدة. فحينما نمارس السياسة يجب أن نمارسها باستحضار المصلحة بالدرجة الأولى. على الفلسطينيين أن يتوحدوا أولا على المشروع المجتمعي الذي يريدونه فهم منقسمون أصلا. في الضفة الغربية تحكم حركة فتح ذات الخلفية الاشتراكية العروبية. وفي غزة تحكم حماس ذات الخلفية العروبية الإخوانية. إذن على الفلسطينيين أن يتوحدوا أولا حول مشروعهم السياسي والاجتماعي. قبل أن يطالبوا بالوحدة العربية. التي من أجلها غلب الحماس على عرب الأمس فسحقتهم إسرائيل مخلفة ردود فعل عاطفية مازال الشعراء يعبرون عنها إلى اليوم. على الفلسطينيين أن يتفاوضوا مباشرة مع اسرائيل بدون وساطة لا عربية ولا إسلامية. أي وساطة دولية أممية في الامم المتحدة. ولكن تلك الوساطة تستوجب أولا إن تم قبولها قبول وجود دولة اسمها إسرائيل. وإسرائيل طرف قوي في التفاوض. لأن من يطالبها اليوم بالرجوع الى حدود 67 يطالبها بالتنازل عما كسبته بالمعركة ففي الأمس كان رهان العرب كلهم من المحيط الى الخليج هو اقتلاع اسرائيل من جذورها انهزموا أمامها في و تمددت دولة 48. العرب لم يستوعبوا الدرس فأعادوا لكرة في 73 سحقتهم اسرائيل من جديد. للأسف فهموا الدرس متأخرا لأنهم بعد ذلك بدأوا يوقعون اتفاقيات سلام فردية معها وقعتها مصر واسترجعت سيناء وقعتها الاردن فحمت اراضيها. العرب عرفوا في 67 انه بدون اتفاق مع اسرائيل قد تتمدد خارج فلسطين لذلك رجع العرب إلى رشدهم ومازالوا اليوم يسيرون في نفس المسار. فلسطين دولة عصرية متقدمة وكل دول العالم تعترف بها العرب رفضوا بالأمس اليوم يهرولون اليها صاغرين. وقد ذكرني هذا الامر بواقعة حدثت لشخص اتسخت سبابته بالغائط، فذهب رأسا عند الحداد وامره بقطع سبابته من جذورها واستغرب الحداد من اندفاع الرجل وعدم واقعيته ولم يرد أن يناقش معه المسألة لان الرجل كان في حالة تعجل ورفض كل نقاش فما كان من الحداد إلا أن أخد مطرقته وضرب سبابة الرجل حتى يؤلمه. ولما أحس الرجل بالألم وضع سبابته في فمه ولعق ما كان بها من دنس. كذلك حال العرب لم يستحضروا الواقعية في صراعهم مع إسرائيل فهم كانوا منقسمين وضعاف وفي لحظة حماس اتجهوا لمواجهة إسرائيل حتى بدون استراتيجية أو استعداد لازم. فانهزموا وفي الاخير بدأوا يهرولون نحو اسرائيل لاستجداء عطفها وسلامها. لذلك على من تبقى من الفلسطينيين لان الكثير منهم مواطنون اسرائيليون. أن يتخلصوا من الاخوان والقوميين ويؤسسوا مشروعا فلسطينيا ديمقراطيا. وأن يفاوضوا اسرائيل عبر الأمم المتحدة وان يقبلوا بشروطها ولو كانت مجحفة لأنهم غذا قد لا تتوفر تلك الفرصة. فيحدث لهم ما حدث لهم بالأمس فها هم اليوم يطالبون بحدود 67 وقبل 67 كانوا يطالبون بزوال اسرائيل. هذه حقيقة مرة لكن هذا قدر التاريخ. بدون ذلك ستأكل اسرائيل ما تبقى من فلسطين العثمانية. وستختفي القضية إلى الابد. وحينما سيقوم الفلسطينيون باستحضار هذا الطرح الواقعي في صراعهم مع دولة إسرائيل سيكونون قد احتكموا للعقل وليس الأهواء.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...