lundi 12 octobre 2020

عبد الله العروي وأزمة الضمير " العربي"

 

المؤرخ المغربي عبد الله العروي المزداد بمدينة أزمور 1933

إن الطابع الغالب على كل المفكرين العرب، هو طابع ايديولوجي، وهذا أمر طبيعي مادامت الحضارة العربية الإسلامية تعيش تخلفا وتسعى من خلال مفكريها إلى بلورة مشروع فكري وسياسي، يبلور النهضة العرية المنشودة التي بدأت تهيمن على تيارات الإنتلجنسيا العربية منذ القرن التاسع عشر من خلال صدمة الحداثة التي تشكلت في خ الشرقي، بعد اصطدامه بالغرب الأوربي المتقدم. وقد كان القرن العشرين بؤرة لصراع ايديولوجي فرضته الظرفية التاريخية التي كان يمر منها العالم أنداك، لذلك لم يسلم المثقف العربي من الانخراط في بلورة مشاريع فكرية، هاجسها الأساس التحرر من نير الاستعمار وبناء الدولة الحديثة. لذلك نجد هذا الطابع الايديولوجي الذي هيمن على جل الكتابات الفكرية العربية. وفي سنة 1967 تلقى العرب صدمة ثانية بعد انهزامهم أمام إسرائيل، وفي نفس هذه السنة سينزل الى الساحة الثقافية العربية كتاب كان هدفه هو نقد الايديولوجيات التي كانت سائدة ومحاولة التأصيل لإيديولوجية تفهم الواقع وتغيره وتحقق الحداثة المنشودة. هذا الكتاب هو «الإيديولوجية العربية المعاصرة» للمفكر المغربي عبد الله العروي، الذي وجه نقدا شاملا لكل الايديولوجيات التي كانت سائدة. الايديولوجية السلفية اللاعقلانية، والتقنوية الليبرالية والماركسية غير التاريخانية. ودعا بالمقابل إلى تأسيس مشروع يتأسس على استيعاب ضروري لبعض مكتسبات الليبرالية، وهو ما سماه في كتابه الثاني" أزمة المثقفين العرب "ب "الماركسية التاريخانية " والقطع مع الماضي والتراث الفقهي الذي لم يعد ملائما للعصر. بعد هذا النقد الذي وجهه لتيارات الفكر العربي المعاصر. سيبدأ في اصدار كتب متتابعة حول النقد الايديولوجي والتأصيل المفاهيمي من أجل رفع اللبس وسوء الفهم فيما يتعلق ببعض المفاهيم التي يساء فهمها لدى المثقف العربي منها «مفهوم الايديولوجيا»، »مفهوم الحرية »، »مفهوم الدولة »مفهوم »التاريخ »وأخيرا مفهوم « العقل » الذي أعلن فيه عن مفهوم القطيعة مع التراث، ومع عقل المطلقات. وبعدها سيصدر كتبا أخرى كلها تتمة لمشروعه الفكري. بالإضافة الى أعماله النثرية الروائية التي لا تخرج عن نفس. المنحى وهو تأصيل الحداثة والمعاصرة.

كل خروج إعلامي «للمفكر الصامت» كما يلقبه البعض هو بمثابة حدث ثقافي كبير، خاصة حينما يحتاج المتتبعون الى سماع آرائه حول القضايا المجتمعية الراهنة التي تمس ثقافة المجتمع وسياسته. وقد كان خروجه الاعلامي الأخير من خلال لقاءه على قناة سكاي نيور، محطة لسماع بعض مواقفه من بعض القضايا الراهنة، وذلك على هامش حضوره في أبو ظبي لتسلم جائزة الشيخ زايد، التي سمته ب «شخصية العام الثقافية». وخلال هذا اللقاء لم يخرج عن مواقفه السابقة خاصة فيما يتعلق بضرورة الفصل بين الدين والدولة. وضرورة تأسيس الحداثة على المشترك الانساني والانخراط فيه، وبذلك القطيعة المنهجية مع الماضي ومع التراث، حيث اعتبره ليل الثقافة، وبالمقابل الانخراط في الحداثة الكونية، باعتبارها تعبر عن تدبير شؤون المجتمع وتتأسس على المصلحة. لذلك نراه يراهن كثيرا على دور الدولة، في تأسيس هذه الحداثة، لذلك أكد على أن المثقف العربي، سار على نهج المثقف الفرنسي الذي عرف تاريخيا بعدائه للدولة. أما فيما يتعلق بنزعة الأصالة التي تدعو الى ضرورة العودة للماضي، فقد اعتبر ان ذلك غير ممكن وليس في صالح المجتمع، فقد يكون ذلك نافعا على مستوى البيت لكن على مستوى تدبير الشأن العام فهو غير مجد. لذلك نجده يضرب المثال بالدول التي دخلت إلى الحداثة رغم تأخرها التاريخي، مثل اليابان وتركيا والصين. فالياباني محافظ على تقاليده في البيت لكن فيما يتعلق بالاقتصاد والسياسة فهو منخرط في المعاصرة والحداثة.

إن أهمية أطروحات المفكر المغربي عبد الله العروي تزيد أهميتها يوما بعد يوم، خاصة مع توالي الأحداث التاريخية التي تؤكد على ضرورة القطع مع العنف ومع المشاريع الدينية اللاعقلانية التي لا تفهم الواقع التاريخي بعمق. ومن جملة المفاهيم المهمة في فكر العروي، مفهوم الثورة الثقافية، وهي ثورة عقلية في الاساس يجب أن يضطلع بها المثقفون، من أجل نقد الثقافة التقليدية وتأسيس نظرة جديدة تتصالح مع العالم، ومع التاريخ وتقطع مع الفهم الموروث واللاعقلاني.

 المقال منشور بمدونات الجزيرة اضغط هنا


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...