samedi 3 octobre 2020

الارهاب ودائرة العود الأبدي

 



 

في البدء كانت السياسة

 

يوم 27 من أكتوبر تشرين الأول أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقتل أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، بعد عملية قادتها قوات خاصة امريكية. وقال ترامب: إن البغدادي «مات كالكلب». وقد جاء هذا الحدث بعد سنوات من تراجع التنظيم وتفككه إثر شن حملة دولية عليه منذ 2016. وفي أبريل من السنة الجارية أطل البغدادي على أتباعه عبر شريط فيديو بعد أن تضاربت الأنباء حول مصيره.  لكن السؤال الذي يطرح نفسه حول هذا الحادث هو التالي: هل بموت البغدادي ينتهي الإرهاب في العالم؟ هل انتهى الارهاب الإسلامي بموت أسامة بن لادن؟ وهل انتهى بموت أبو مصعب الزرقاوي؟ وغيره من زعماء التيارات الجهادية؟

المؤكد أن مجرد استقراء للتاريخ، سيبين لنا بالملموس أن الإرهاب ظل دائما حاضرا في مشهد الأحداث الكبرى التي مر منها العالم، رغم أنه اشتدت وتيرته منذ بداية هذه الألفية. وإذ نتحدث عن تنظيم داعش الإرهابي فإننا نتحدث عن الإرهاب المستند إلى الدين الإسلامي.  رغم أنه لابد من الـتأكيد على أن ممارسة العنف والقتل الوحشي يتم في كل الثقافات والأديان وليس مرتبطا بالإسلام فقط. والشيء الذي يميز هذا الأخير كواحد من الأديان التوحيدية الكبرى أن ظهوره في شبه الجزيرة العربية كان متميزا عن غيره من الأديان، وشهد في بداياته الأولى اختلاط الديني بالسياسي، بعد أن دشن رجل مغمور ثورة أخلاقية في شبه العربية ستتحول إلى ثورة سياسية ثم ستحول موازين القوى الاستراتيجية خلال القرن السابع الميلادي الذي شهد بداية تضعضع القوى الكبرى في تلك الفترة ونقصد الإمبراطورية الفارسية الساسانية والإمبراطورية البيزنطية أو روما الشرقية. لكن هذا الدين الجديد شهد " قلق البدايات «، أي أن موت الرسول والصراع على السلطة جعل من الإسلام ليس دينا أخلاقيا فقط، بل تحول إلى " دين سياسي " وما التسمية المتداولة في المرحلة المعاصرة «الإسلام السياسي» إلا مجرد تحصيل حاصل، لأنه لا يمكن تصور إسلام آخر غير الإسلام السياسي. فالبعد السياسي في الإسلام هو ما يجعله اليوم يعيش أزمة سواء في المناطق التي توجد فيها غالبية المسلمين، كالشرق الأوسط أو شمال افريقيا، أو في البلدان التي هاجر إليها مهاجرون من خلفيات إسلامية بفضل التحولات التاريخية والسياسية والاجتماعية، من استعمار وحروب وبحث عن فرص أفضل، مع ما وفرته العولمة من إمكانيات التنقل والهجرة. لذلك لا يمكن تصور المسلم إلا كشخص حامل لعقيدة وهذه العقيدة يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى إيديولوجية، ما لم تتوفر مناعة فكرية صلبة. لذلك يمكن أن نجد التفسير لظهور ونمو وانتشار داعش ما بين 2013 – حينما أعلن البغدادي عن تأسيس " تنظيم الدولة الإسلامية في العراق " و 2019 حينما أعلن الرئيس الأمريكي مقتله  " كالكلب " ورمي جثثه في البحر- في هذه النقطة بالذات.

 

الإرهاب والعود الأبدي

 

في كل مرة تقع معركة طاحنة، تنتشر صورها وتبت الرعب في النفوس فيتظافر العالم لمواجهة هذه القوة الشريرة فتنتصر إرادة الخير على إرادة الشر فيموت الشرير وينتصر البطل المحب للخير. هذه الأسطورة تُطرب مخيال الكثير من الناس وقد ألفت القوى العظمى أن تصنع مثل هذه الحكايات، ولن نتوغل في التاريخ كثيرا لنستشهد على ذلك، لكن سنعود فقط إلى مرحلة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ودخول الألفية الثالثة. لنشهد أن ولادة الجهاد الإسلامي المعاصر تم خلال هذه المرحلة بالضبط. لكن هذه الصناعة لم تشمل صناعة الإيديولوجية بل اقتصرت فقط في تسهيل سبل التحاق «جنود الله  » بالمعارك المقدسة في جبال تورابورا في أفغانستان ضد أعداء الله الشيوعيين.  وفعلا نجحوا في تدشين بداية نهاية الاتحاد السوفياتي الذي كان في مرحلة شيخوخته. لكن معركة المجاهدين ستنتقل إلى عدو جديد وهم «الصليبيين الكفار والمرتدين» أي ان السحر سينقلب على الساحر، وستشهد تلك المرحلة إعلان النظام الجديد بعد نهاية الاتحاد السوفياتي، وبداية العولمة وهو ما سيجل الإرهاب يتخذ بعدا دوليا وستتحول معركته من معركة جزئية إل معركة شاملة  وهو ما يسميه أوليفيا روي  » عولمة الإرهاب ». ومنذ تلك اللحظة سيخرج عفريت الجهاد من قمقم داعميه، وستتحول المعركة ضده إلى معركة دولية خاصة بعد تفجيرات سبتمبر 2001.

 

سيناريو المؤامرة

 

ونجد اليوم في الساحة عدة من الآراء المتضاربة حول هذه التنظيمات الجهادية، ونجد أن الغالبية من الجمهور العادي يعتبرون ظهورها مجرد" مؤامرة صهيوأمريكية " للسيطرة على العالم. لكن هؤلاء يجب أن يضعوا الأحداث تحت ضوء التاريخ لكي يتبينوا أن هذا الطرح، ولو افترضنا جدلا صحته في بعض الجوانب، فإن أي دولة يمكنها أن تصنع تنظيما وتدعمه بالمال والسلاح والاعلام وغيرها، لكن يبقى الأساس الذي ستوحد حوله الأتباع عصيا على أي صناعة، وأقصد الايديولوجية التي يتبناها هذا التنظيم. لذلك فداعش مرتبط بالقاعدة وهذه الأخيرة خرجت من رحم تنظيم المجاهدين الأفغان في الثمانينات والتسعينيات والجهاد الأفغاني كان مدعوما من طرف أمريكا ريغان وبعض الدول العربية، في إطار الصراع الجيوسياسي الذي كان بين الغرب والاتحاد السوفياتي. لكن لا يجب القول مطلقا بأن الإيديولوجية الجهادية صناعة أمريكية خالصة، لأن ما تقوم به الجماعات الارهابية في الواقع يطابق بالحرف ترسانة فقهية ونصوص مقدسة مع ما تتضمنه من قطع الرؤوس وتطبيق الحدود والقضاء على مظاهر الحضارة وغيرها التي يدعي الإرهابيون اليوم تطبيقها. هذه أفكار لا يمكن لأي دولة في العالم أن تصنعها في واشنطن مثلا وتقنع بها رجلا بسيطا في جبال الشيشان لكي يقاتل ويموت في سبيل الله تاركا عالمه الذي صنعه وراءه ومتوجها إلى عالم الصفاء والطمأنينة. لابد إذن من أساس إيديولوجي قوي يبنى عليه أي تنظيم ويشحذ به الأتباع ويدفعهم إلى ماكينة القتل والترويع.

 

من الدين السياسي إلى الدين الأخلاقي

 

إن ظهور ر الإرهاب في أي مجتمع وفي أي لحظة تاريخية يبين بالملوس أزمة ما في العصر، أزمة عميقة تضرب بجذورها بعيدا ليس في المستوى السياسي الظاهر – كما تذهب إلى ذلك بعض التفسيرات الاختزالية- رغم أننا لا ننكر أن التنظيم يتوخى حيازة السلطة أو أحيانا بث الفوضى والرعب في أي نظام سياسي. لكن لا يجب أن نضع جانبا مسألة مرتبطة بالمعطيات الثقافية والاجتماعية التي يكون الإرهاب والقتل تجسيدا لها، مادام هذا الأخير خروجا عن الإنسانية وحيادا عن الحضارة والمدنية، ورجوعا إلى مرحلة التوحش واللاإنسانية. إذن الإرهاب الذي يربط اليوم بالإسلام إنما يبرز في نظرنا أن هذا الأخير يعيش أزمة أسس مزمنة، لأن الذين يقاتلون اليوم باسم الإسلام يورطون هذا الأخير أخلاقيا وقيميا، فكيف يمكن أن يتبرأ البعض من الجماعات الجهادية وهي لا تقوم كما يقول أفرادها إلا ب " تطبيق شرع الله الذي نزله على نبيه محمد "والرجوع بالمسلمين إلى لحظة الصفاء العقدي والسياسي والأخلاقي التي تجسدت في دولة الرسول ". إن من يربط الإسلام اليوم بالعنف لا يقوم بذلك من منطلق المزايدة أو الكذب. لكن هذا التناقض الظاهري بين الإنكار وواقع الحال لا يمكن تجاهله بالمرة. لذلك يجب أن تتوفر اليوم الشجاعة الكافية لدى من يعتبرون أنفسهم ممثلين للإسلام – سواء كانوا دعاة أو فقهاء أو رجال دين أو هيئات أو دول – بحل المعضلة الأخلاقية التي تمس الإسلام وتهدد وجوده أصلا، إن سلمنا أن العنف والقتل والترويع هو انتحار أخلاقي.

لكن في نظري لا يمكن للدولة أن تحسم في أمر الدين، لأن من يحسم في ذلك هي المجتمعات. فالمسلمون اليوم مدعوون بشكل عاجل إلى النظر في أمر دينهم، والتبرؤ من العنف الممارس باسمه، ولا يكون ذلك بمجرد القول بل لابد من الفعل وإلا أصبح الأمر نوعا من التواطؤ غير المعلن مع الإرهاب. لذلك لابد في نظرنا من إصلاح جذري للإسلام أي ثورة إصلاحية تؤسس لإسلام جديد غير مناقض للعصر، ولا نقول الإتيان بإسلام جديد أو البحث عما يصالح الإسلام مع الحداثة والعصر من خارج الإسلام. لكن الدعوة هنا إلى إصلاحي ديني يكون من داخل الإسلام نفسه، من داخل ألف وأربعمائة سنة من التراكم، لأن العالم اليوم يعرف الوجه القبيح في تجربة الإسلام التاريخية التي لا يمكن القفز عليها بشكل عاطفي أو هستيري أحيانا. بل لابد من النظر إلا ما هُمش في الإسلام، فهذا الأخير يتضمن إنسية دفينة كما يقول أركون مثلا ويحوي عصر أنواره الخاص وأفقه الأخلاقي المطلق باعتبار محمد نبيا مصلحا لا قائد حرب وزعيم كما تنظر له الجماعات الإرهابية. إن ما حدث هو عملية خطف للإسلام في واضحة النهار، فمن يتحدث اليوم باسمه هم جماعة من الأشرار الذين يلبسون لبوس الدين والدين منهم براء إن سلمنا بأن أي دين هو تجربة أخلاقية عظيمة في أصلها لا إيديولوجية سياسية.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...