vendredi 23 octobre 2020

نحو إصلاح ديني للإسلام

 


إن إصلاح المجتمعات العربية لن يتأتى دون إصلاحات مهيكلة مرتبطة بمجموعة من القطاعات، ولعل أهم مجال لابد له من الإصلاح هو المجال الديني، فأشكال التدين الموجودة اليوم داخل هذه المجتمعات ليست شكلا ناجزا ومطلقا من التدين، بل هو رؤية أو مجموعة تصورات فقهية تبلورت في سياقات تاريخية واجتماعية معينة. لهذا نجد أن هناك اتجاهات وفرق وجماعات واتجاهات وفلسفات دينية. إن كل تغيير حقيقي، لا يأخد في عين الاعتبار هذا المعطى، لا يمكنه أن يحقق كبير نتائج، لأن الحل المناسب لتجاوز الانسداد التاريخي الذي تعانيه الحضارة العربية، التي انهارت منذ الزحف المغولي على بغداد وتدمير مكتباتها، وتبلور فكر فقهي متزمت بعد ذلك، والذي ترتكز عليه جماعات الإسلام السياسي، والجماعات الارهابية التي تضرب بقوة في جهات العالم الأربع. فالتغيير لن يتأتى مطلقا، باستلهام قيم الماضي المتخلفة، بل إنه مرتبط دوما بالسير والتقدم نحو الأمام،لهذا شاهدنا أن أروبا لم تكن لتحقق تقدمها، لولا الإصلاح الكبير الذي قام به الراهب الألماني مارتن لوثر، الذي جاء في فترة شهدت فيها الكنيسة الكاثوليكية في روما أزمة كبيرة وتوحشا بلغ حد بيع صكوك الغفران للأوروبيين البسطاء،و تأسيس محاكم التفتيش الجهنمية، التي كانت تتفنن في تعذيب وقتل كل فكر حر وجديد، لا يطابق التعاليم المتكلسة للرهبان والقساوسة ورجال الكنيسة، حيث أصبح الدين الذي ظهر مع المسيح كدين محبة ولطف، دينا عنيفا يقتل ويعنف، لأنه اختلط بما هو سياسي ودنيوي، فانصرف رجال الدين عن الغايات الكبرى والسامية للدين وهي تحرير الإنسان وإعطاء المعنى الوجودي، انصرفوا إلى كسب المال ومحاربة كل تجديد وتفكير، فكان الإصلاح بذلك في أعظم ثورة ستشهدها الكنيسة،حيث سينقسم المسيحيون إلى كاثوليك وبروتستانت.إن الإصلاح الديني إذن، لحظة أساسية يجب أخذها بعين الاعتبار في عملية بناء المجتمع والدولة الحديثة في مجتمعاتنا،لأن كل إصلاح لابد له أن يرتبط بإصلاح العقل أولا، والعقل الاسلامي، دخل مرحلة أزمة عميقة، أصابت مقولاته الأساسية التي لم تعد تناسب الظرفية التاريخية التي يمر منها العالم. والنتيجة هي ظهور الجماعات التكفيرية الارهابية مثل طالبان والقاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها من جماعات الدم الجهنمية، التي تستند في أيديولوجيتها السوداء المتطرفة، إلى تراث عتيق من المقولات الفقهية التي صيغت خلال القرون الماضية، فتم البناء عليها، وتبنتها هذه الجماعات كذا جماعات الاسلام السياسي، وأرادت اسقاطها بشكل ميكانيكي على واقع المجتمعات العربية الاسلامية الحالي، دون تجديد ولا عصرنة ولا اجتهاد. فنجد أن ابن تيمية وابن حنبل أهم عندنا من ديكارت وروسو. حتى أن بعض الأنظمة السياسية تأسست على هذا الفقه، مثل السعودية التي اتخذت من أشد أنواع الايديولوجيات الدينية، عقيدتها وأساسها،لدى نجد الوهابية السلفية، هي عقيدة آل سعود، حيث تطبق فقه ابن حنبل وابن تيمية، من سرق في السعودية، تقطع يده، من زنى يجلد أو يرجم، من نظم قصيدة هجاء في أولي الأمر، أي عائلة آل سعود يقطع رأيه، وغيرها من مختلف انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارس في حق المواطنين.ونفس الطرح نجده عند القطب الآخر من الفقه الاسلامي، في ايران،التي تستلهم التراث الاسلامي الشيعي. ونقطة الاختلاف الوحيدة بين كلا النظامين، الوهابي والشيعي أن الأخير جاء إثر ثورة دينية قام بها رجال الدين بقيادة الخميني على نظام الشاه الذي قام بإصلاحات جدرية لإيران، فبنيت ايران الشيعية، على تلك الاصلاحات، لتصبح بذلك قوة اقليمية، تبحث لها عن مجال لفرض قوتها، لكن مساعيها ستصطدم مع الدولة الوهابية التي تأسست بناء على فقه وهابي وفي تزكية من الولايات المتحدة، وما يحدث في إيران والعراق وسوريا ليس سوى الساحة التي يتجلى فيها هذا الصراع، الذي سينتهي حتما باصطدام أعنف سيكشفه لنا التاريخ في المستقبل.إن هذا الصراع الديني، نجد له امتدادا في التاريخ، ويعبر عن أزمة عقيمة يمر منها المسلمون، وهي أزمة دينية بالأساس، قبل أن تكون سياسية أو اجتماعية، لأن الدين مازال يشكل عنصرا مهما في الثقافة الاسلامية، والحل الجذري لهذه الأزمة هو الثورة على الفهم القديم للإسلام، وذلك من خلال إخضاع هذا الأخير للإصلاح. لأن الاصلاح الديني مقدمة أساسية لكل اصلاح، مادام الدين يحجب فردية الانسان وحريته، فكل اصلاح سياسي لا يرتبط بفكرة الحرية ليس بالإصلاح الحقيقي، ولا أدل على ذلك ما شهده العالم العربي، فيما يعرف ب »ثورات الربيع الديموقراطي »،التي انطلقت من المساجد، فنجحت في اسقاط الأنظمة، لكنها لم تنجح في اسقاط العقليات المتخلفة، والسبب في ذلك هو غياب إطار مرجعي يؤطر هذا الاصلاح، فلا تغيير حقيقي دون إصلاح ثقافي عميق وجذري لهذا كان لزاما اصلاح ديني، يتجاوز الفقه الاسلامي،سواء الشيعي أو السني المتكلس، من أجل تجاوز الانسداد التاريخي، وابراز فاعلية الإنسان وحريته. وبالتالي تأسيس مجتمع مدني تسوده الحرية والقوانين، والخروج من ابستمي القرون الوسطى بدون رجعة حيث نتجاوز سيادة الله، من أجل سيادة الإنسان، ونتجاوز حكم الحاكم باسم الإله، إلى حكم مدني تعاقدي ديموقراطي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...