jeudi 22 octobre 2020

عقل لا يعرف الهدوء

 

لوحة الصرخة لإدفارد مانش 1893

إن الفكر، دودة تنخر العقول الأسئلة المحرقة والمحيرة، التي تدفع الذات نحو البحث والتساؤل، والرغبة المحمومة في القبض على الكلي، هذه ميزة ألمانية وحدهم النيتشويون،يعرفون معناها العميق، لأنهم يجدون تجسيدها الأسمى في مفهوم »إرادة القوة » التي دعا إليها نيتشه وبشر بها عقيدة للإنسان الأعلى، إنها « إرادة الحياة » الشوبنهاورية مقلوبة وهذه ميزة الفلسفة الألمانية، قلب للتصورات كساعة رملية. إن الذين يوسعون من آفاق عالمهم الضيق، وينزعون الحدود المبثوثة في العالم، حدود الجغرافيا، واللغة، والدين، والانتماء،والعقيدة.يعرفون معنى النزعة الإنسانية والمواطنة العالمية. لذلك تجد عقولهم ونظرا لشساعة ورحابة الآفاق الممتدة أمامها تعيش حالة من القلق الدائم هو سمة كل وجود أصيل، يتوخى البحث عن المبادئ الثابتة في العالم. إن هذا التحيز المفضوح نحو الكوني هو ما يجعل كل العظماء عبر التاريخ أدباء، فنانين، فلاسفة، أنبياء يتجهون نحو التأكيد على مبادئ تتجاوز كل الحدود الوهمية لتصل بمداها الى المطلق، متجسدا في فكرة خارقة وعظيمة، تحكم على من تبناها بالقلق، ليس بمفهومه المرضي، لكن القلق بمفهومه الوجودي، كحالة تجد الذات نفسها أمامها حائرة مندهشة باستمرار، ساعية للاكتمال، لكن واعية بذاتها، وبفنائها وتناهيها، وهي عملية زمانية بامتياز. وهذا هو جوهر الحياة بشكل عام، إنه نظام طبيعي مبتوت، لكن الثقافة صنعت عقاقير مخدرة لهذه الإنسانية الطافحة، عقاقير منومة »أوهام » قصفها نيتشه بقوة خلال القرن 19م.لكنها لم تنكسر،، رغم أنه أعمل طريقة خبيثة جدا لأنه قام بنقد جنيالوجي،سخر له كل طاقة جسده الواهن، وروحه العظيمة،لكن التلامذة الأوفياء لنيتشه أسسوا لمرحلة بكاملها هي مرحلة نيتشوية بالأساس،مرحلة ما بعد حداثية، مرحلة عدمية بامتياز، مرحلة قلقة وضجرة، لابد لكل ذات أن تأخد طابعها إن أرادت بعمق أن تجسد « روح العصر ».لكن مشكلنا نحن أبناء عقيدة الصحراء، أننا مازلنا نبحث عن الثوابت، أو لنقل أن بعضنا هو من يبحث عن الثوابت الجديدة، أما الغالبية العظمى فما زالت في مرحلة غيبوبة تاريخية، نوم أبدي، لن « يوقظنا » منه سوى نقد جنيالوجي راديكالي، يهز بنية وجودنا الحضاري من أساسها، ويبث فينا، عقيدة جديدة، تستوعب روح العصر وتندمج في « العالم الكلي »،ومن كان منا ينظر نظرة تتجاوز الآفاق المرسومة، وينظر بعيدا سيرى أن نزعة الأصالة الموبوءة، تندحر نحو هاوية التجاوز التاريخي التي لا تعرف المصادمة، لأنها عجلة ضخمة قدر »فوق إلهي »،مادام الإلهي، خارج دائرة التاريخ. لذلك فإن الإنسان الذي يوجد في هذا الوضع، سيصاب بفصام رهيب، لأنه يجمع المتناقضات، فيما يرتبط بوضعه التاريخي الخاص لابد أن يتبنى أفكار القرن الثامن عشر ويدافع عنها بقوة وصراحة، لكن في عمق كيانه هو مسكون بروح عدمية مرتبطة بالبنية العامة للتاريخ. لذلك فكل قلق في هذه اللحظة سيكون مفهوما،زد على ذلك أن هذه الذات،تعيش قمة جدلها الفكري، لأنه لأول مرة تربط إشكالاتها الذاتية الخاصة، بالروح العامة، وبالحضارة، والمصير المشترك.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...