dimanche 11 octobre 2020

الكتابة ترياق لأسقام الحياة

 

portrait-gustave-geffroy-paul-cezanne

حينما أتجاوز عتبة الليالي المظلمة، أحس برغبة جارفة في الكتابة، كأنني بوضع الحروف على صدر الورقة أتخلص من ثقل أحمله معي منذ مدة طويلة، لا أدري كيف أجد كل هذه السعادة القصوى في الكتابة، ولا يهمني كذلك أن تسافر كلماتي وتنال الثناء، بقدر ما أعتبرها رياضة ذهنية وعقلية أمارسها، لأحقق المعنى من الحياة التي أعيشها، ففي عالم مثل الذي نعيشه، لا أدري هل مازال للكلمات من معنى، كما كانت في السابق؟ يوم كان الحكماء والشعراء والكتاب والرسامين يخطون بأيديهم ما جادت به قرائحهم فكانت الكتابة فعلا نضاليا ضد الاستبداد وضد الظلم ومعركة من أجل الأنوار والجمال في عالم مغلق. اليوم فقد الكتاب القضايا، فلم يعودوا يكتبون إلا ليكتبوا، يكدسون الكلمات لكن المعنى هو الغائب الأكبر في هذه العملية، لم أعد أجد من يتألم حينما يكتب أليس كل ابداع عظيم ولادة عظيمة؟ وكل ولادة عظيمة مصحوبة بألم عظيم. هل مات الإبداع يا ترى؟ هل أفرغ العالم من المعنى؟ أم أن الإنسانية اليوم لم تعد قادرة على تخليق ذاتها وتجاوز معاناتها، لماذا تحكم الظروف على الأفراد لينخرطوا في لعبة لم يحددوا شروطها؟ لماذا تجف الأقلام حينما تريد أن تكتب بيانات الشجب والاستنكار، هل أفرغ العالم من الحكام والظالمين؟ أم أنهم هم من احتلوا مكان الآلهة فظلوا يمارسون العقاب ويستلذون عبادة الضعفاء لهم. سمعت نيتشه يوما يدعونا إلى الكتابة بدمنا! لم أدر ماذا يقصده نيتشه، لكن في الأخير وجدت أن كل كتابة لا تكون مدفوعة بآلام الصلب ليست بالكتابة الجيدة. لكن كتاب اليوم لا يكتبون إلا لتظهر أسماءهم على كومة الأوراق. إنهم لا يحملون قضية، بل قضيتهم الأساس هي أن يظهروا مترنحين مزهوين كطواويس الحدائق الملكية، إنهم يكتبون من أجل أن يحظوا بالجوائز، أن يسمعوا عبارات الثناء والمديح من جماهير المغفلين والحمقى، أن يلتقطوا الصور من كل الجوانب ويشاركونها في غرفهم الرقمية، كي ينالوا إعجاب الحريم، إن الكتابة هي شكل من أشكال العهر والغواية، الكاتب في نظري بلا قضية كمن يحرث الأرض دون أن ينثر الحبوب، كمن يصلي بلا إيمان، كمن يقبل بلا حب. فماذا ينتظر من كان يلوي العبارات ويلوك الكلمات دون أن يكون مسكونا بمس الحقيقة وجنون العبارة وقلق النفس وتأرجح الوجدان والسأم من الوجود والغضب على العالم وعلى القبح القابع وراء المظاهر. لهذا كنت دائما أكتب عباراتي أحصنها في قرارة وجداني لتنضج لتتخمر كخمرة دمشقية، إنني أتوخى أن أكتب ليس من أجل التتويج والوقوف على المنصات وإلقاء الخطابات المشوقة وسماع عبارات الثناء…تبا للعهر. لي قضية من أجلها تجرأت على حمل السلاح والنضال على هذه الجبهة، وما أصعب أن تخط فكرة تظل لها وفيا وتضحي بكل ما أوتيت من قوة لتظل حية داخل وجدانك وتتجسد في سلوكك، وحينما ينتهي جسدك تحملها معك إلى مكانك الخالد في ذاكرة الإنسانية وفي تاريخها إنها فرصتك لتنضاف الى صفوف المبدعين والعظماء الذين دخلوا بوابة العظمة وجمهورية العباقرة. إن الكتابة بالنسبة لي شفاء من أسقام الوجود، إنها مخاطرة في عالم منقبض فلا يجوز ممارستها بدون قضية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التحول الديموقراطي المزمن في سوريا

منذ 2011 حينما خرجت جحافل المتظاهرين في كامل أنحاء سوريا، كان الأمر سهلا في البداية، لأن الفوضى عادة ما تكون سهلة، وتحركت الحرب الأهلية فيما...